بالنسبة لهذه الصفة الناس على أقسام ثلاثة: القسم الأول: من ليسوا من أهل الرخصة، فهم قسم عافاهم الله من المرض.
القسم الثاني: قسم يأخذون بالرخصة، كلبس الخفين والمسح عليها.
القسم الثالث: أصحاب الأعذار.
فالقسم الأول: عامة الناس الذين لا يأخذون بالرخصة، وهم الذين عافاهم الله من المرض، فهؤلاء تجزئهم نية استباحة الصلاة أو رفع الحدث.
فإذا قام رجل فتوضأ ونوى رفع الحدث وصلى فإن صلاته صحيحة ووضوءه صحيح، ونيّته تجزئ في ذلك.
فإذا كان ممن جامع أهله وكان جنباً، فدخل واغتسل ونوى استباحة الصلاة، فقد أجزأته هذه النية، وصلاته صحيحة.
إذاً: الذي عافاه الله من المرض إما أن ينوي استباحة الصلاة أو ينوي رفع حدث، فإن نوى رفع الحدث أجزأه، وإن نوى استباحة الصلاة أجزأه، فأي النيتين تصح بها الصلاة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله لا يقبل صلاة أحدكم إذا أحدث حتى يتوضأ)، ولقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا} [المائدة:6]، أي: إذا أردتم استباحة الصلاة: ((فَاغْسِلُوا)) أي: توضئوا، والنية هنا استباحة الصلاة.
القسم الثاني من الناس: أهل مسح الخفين، وللعلماء في المذهب قولان في هذه المسألة: القول الأول: لا يجزئه رفع الحدث، بل لا بد أن ينوي استباحة الصلاة، بمعنى: إذا قام الرجل في البرد القارس ليصلي الفجر فقام وكان لابساً لخفيه لبسها على طهارة، فتوضأ ومسح على خفيه، لكنه نوى رفع الحدث، فصلى، فلما سأل قال له كثير من علماء المذهب: صلاتك لا تصح، لأن نيتك لم تجزئك في ذلك؛ لأن المسح على الخف لا يرفع الحدث.
والقول الثاني في المذهب وهو الراجح الصحيح: أن المسح على الخفين يرفع الحدث، فله أن ينوي استباحة الصلاة أو ينوي رفع الحدث، وهذا الذي رجحه النووي، وبين أن القول الأول هو الضعيف في المذهب.
إذاً: الصحيح في المذهب الشافعي: أنه لو مسح على خفيه ونوى استباحة الصلاة أو نوى رفع الحدث فصلاته صحيحة، ووضوءه أصبح صحيحاً.
أما القسم الثالث: فهم المرضى أصحاب الأعذار، كسلس البول، والاستحاضة، وانفلات الريح، فعلماء المذهب لهم ثلاثة أقوال: القول الأول: يجزئه إذا نوى استباحة الصلاة، مثاله: امرأة ينزل منها الدم باستمرار وعندما سألت قلنا: أنت مستحاضة، والدم هذا دم عرق، دم فساد، دم علة، ليس دم حيض، فلما أرادت أن تصلي دخلت فتوضأت وقالت: كيف أنوي؟ ف
صلى الله عليه وسلم أنها تنوي هنا استباحة الصلاة.
القول الثاني في المذهب: يجزئها نية رفع الحدث واستباحة الصلاة، فإذا نوت استباحة الصلاة أجزأتها، وإذا نوت رفع الحدث أجزأتها، ويستحب لها أن تجمع بين النيتين، ومثلها: رجل عنده سلس البول، فبعد أن استنجى ولف لفافة على فرجه، قام فتوضأ ناوياً رفع الحدث، فإنه يجزئه على القول الثاني، وإن نوى استباحة الصلاة أجزأته النية، وقلنا له: يستحب لك -لتخرج من خلاف المذهب- أن تجمع بين النيتين: رفع الحدث واستباحة الصلاة.
القول الثالث: وجوب الجمع بين النيتين، نية رفع الحدث ونية استباحة الصلاة، والراجح في المذهب: هو القول الأول وهو: أن ينوي استباحة الصلاة؛ لأن الحدث مستمر، والدم لا ينقطع، وسلس البول لا ينقطع.