(وَالْبَسْطِ) أي قصد المتكلِم بسط نفسه بالكلام، يعني يُذكر من أجل ماذا؟ المقام قد يستدعي الحذف لكن من أجل يُطيل الكلام مع محبوبه، فحينئذ يذكر المبتدأ وأوصافه ونحو ذلك، (وَالْبَسْطِ) يعني: بسطه الحديث والكلام، أي قَصْد المتكلم بسط نفسه بالكلام حيث يطلب المقام طول الحديث، إذا كان المقام يطلب طول الحديث فحينئذ البسط يكون مطلوبًا، حيث يطلب فيه طول المقام بمخاطبة ذلك المخاطب لشرفه والافتخار بمكالمته فيصير المتكلِم مستعذِبًا بطول كلامه مع مخاطَبِه، فلهذا يطال الكلام مع الأحباب، الساعة والساعتين والثلاث [ها ها] وذلك كقوله تعالى حكاية عن موسى عليه السلام: {هِيَ عَصَايَ} [طه: 18] {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى} [طه: 17] عصاي هذا الأصل، لكن قال: {هِيَ عَصَايَ}، فذكر من أجل أن يطيل الحديث ولذلك زاد على الجواب بقوله: {أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى} [طه: 18] أطال الحديث من أجل إطالة الكلام مع الرب جل وعلا، وإنما أجمل المآرب لأن تفصيلها يطول وربما يؤدي الطول إلى الخروج عن الفصاحة، وقد يكون فصل الكلام في مقام الافتخار والابتهاج وغير ذلك من الاعتبارات المناسبة، كما يقال لك من نبيك؟ حينئذ تقول: نبينا خليل الله أبو القاسم محمد - صلى الله عليه وسلم -، هنا أطلت من أجل ماذا؟ الافتخار، خليل الله أبو القاسم محمد بن عبد الله - صلى الله عليه وسلم -. والتنبيه أي ذكر المسند إليه للتنبيه على جهل وغباوة السامع، يعني: ما يفهم حينئذ لا بد من - ومر معنا - أن من مقتضى الحال أن خطاب الغبيّ ليس كخطاب الذكيّ، يفترقان فالذي لا يفهم إلا بالتصريح لا بد أن تصرح له، وهنا كذلك التنبيه حينئذ تشير بذكر المسند إليه لكونه غبيًّا لا يفهم إلا بالتصريح، يعني لا يفهم بالقرينة لا تكفي إلا بأن يصرح له، مثل ماذا؟ مثَّلوا له بقولك لمن يعبد صنمًا: الصنم لا ينفع ولا يضر. يعني تراه يعبد صنم تقول: لا ينفع ولا يضر. هذا الأصل، لكن لكونه غبيًّا تقول: الصنم يعني المعبود الذي توجهت إليه بالعبادة لا ينفع ولا يضر. والقرينة أين ضعف التأويل على القرينة، يعني ثَمَّ قرينة لكن المخاطب قد يَضْعُفُ عن إدراكها، أي لضعف التأويل على القرينة الدالة عليه، أو ضعف فهم المخاطب عن فهم ما حذف بدلالة القرائن، فيذكر للاحتياط بضعف التأويل على القرينة، يعني والقرينة بكون القرينة ضعيفة في نفسها أو - وهذا تفسير بعضه - أو بأن التأويل على القرينة ضعيف، أو لكون المخاطَب قد لا يُدرك بالقرائن.
وَالذِّكْرُ لِلتَعْظِيمِ وَالإِهَانَةِ ... وَالْبَسْطِ وَالتَّنْبِيهِ وَالْقَرِينَةِ
وقد يكون الذكر لغير ما ذكر كالتهويل والتعجب والإشهاد بقصة والتسجيل على السامع حتى لا يكون له سبيل إلى الإنكار وهذا كله مع قيام القرينة.
البحث الثالث في تعريفه
وَإِنْ بِإِضْمَارٍ تَكُنْ مُعَرِّفَا ... فَلِلْمَقَامَاتِ اْلثَّلاَثِ فَاعْرِفا