حينئذٍ الأصل في الكلام أن يُحمل على حقيقته، فإن قصد المتكلم أنه أراد بإسناد الشيء إلى غير ما هو له إذا قصد المجاز لا بد من نصب قرينة، يعني: الحكم على إسناد الشيء الفعل أو معناه إلى غير ما هو له أنه مجاز متى؟ إن وجدت قرينة، وإن لم توجد قرينة فحينئذٍ هو حقيقة عقلية؛ لأن الحقيقة العقلية عممناها، سواءٌ طابق الواقع أو لا، طابق الاعتقاد أو لا، حينئذٍ نقول: لو قال: خلق زيدٌ ذبابة. ويعتقد هذا، نقول: هذا حقيقة عقلية، لكنه كذب، فرق بين أن نُصَدّق ونكذّب، لا، هو كذب قطعًا لماذا؟ لكون الخبر لا واقع له. يعني: لم يطابق فهو كذبٌ، نقول: أنت كاذب لكنه حقيقةٌ عقلية، واضحٌ هذا؟
إذًا أي بنصب قرينةٍ صارفةٍ عن أن يكون الإسناد إلى ما هو له، فخرج نحو قول الجاهل: شفى المريض الطبيب. قلنا: هذا باعتبار الواقع كذب؛ لأن الشافي هو الله عز وجل إلا إذا قلنا بأنه سبب - هذه مسألةٌ أخرى - أما إذا اعتقد أن الشافي بذاته هو الطبيب فهذا كذبٌ، ولكنه لما وافق اعتقاده حينئذٍ صار حقيقةً عقلية، وحملناه على الحقيقة العقلية لا المجاز لكونه لم ينصب قرينة بأن هذا الكلام الذي أَسْنَدَ الشيء إلى غير ما هو له فأسند الشفاء إلى الطبيب وهذا إسناد الشيء إلى غير ما هو له، ولم ينصب قرينة [حملناه على القرينة] (?) حملناه على الحقيقة العقلية، فإن إسناده الشفاء إلى الطبيب ليس بتأولٍ ومثله أنبت الربيع البقل، فإن هذا الإسناد وإن كان إلى غير ما هو له في الوقع لكن لا تأول فيه لأنه مراده ومعتقده وخرجت الأقوال الكاذبة فإنها لا تأول فيها، يعني: كل ما لم يطابق الواقع أو الاعتقاد وأُسند الشيء إلى غير ما هو له إن لم ينصب قرينة فهو حقيقةٌ عقلية، فإن نصب قرينة تدل على أن ظاهره غير مراد فهو مجازٌ عقلي، وهذا واضحٌ بين.
وعليه فكل تركيبٍ إسنادي لا يحمل على المجاز. هذه النتيجة. كل تركيبٍ إسنادي لا يحمل على المجاز حتى يَظُنّ أو يعلم يعني: المخاطَب أن قائله لم يُرِدْ ظاهره بأن يؤوله فإن شُكَّ في ذلك فيحمل على الحقيقة لأنها الأصل.
إذًا نشترط في الحكم بكون الإسناد مجازيًا إذا أسند الفعل أو معنى الفعل إلى غير ما هو له أن ينصب قرينة، إما لفظية، وإما حالية. ولذلك قالوا: إذا تكلم الموحد قال: شفى الطبيب المريض. هذا صارت قرينة لأنه موحد يعتقد أن الله تعالى هو الشافي والاشتراط القرينة لم يحمل قول الشاعر:
أشاب الصغير وأفنى الكبير ... كَرُّ الغداة ومر العشي
على المجاز، لم يحمل على المجاز مع أنه ماذا؟ أسند كر الغداء أشاب الصغير، كَرُّ الغداة ومر العشي هذا من أجزاء الزمان، كر الغداة أشاب الصغير، أليس كذلك؟ وأفنى الكبير إذًا أسند الشيء إلى غير ما هو له. يأتي هذا التركيب البيت هل هذا حقيقة عقلية أو مجازٌ عقلي؟