فإذا تقرر هذا وعرفت أن القصد بالخبر أحد الأمرين السابقين وأن العالم قد يُنَزّل مُنَزَّلة الجاهل فينبغي للمتكلم حينئذٍ إذا تكلم أن يقتصر من التركيب على قدر الحاجة، إما أن تأتي بألفاظ لإفادة الخطاب أو المخاطب شيئًا ليس عنده، أو بما يدل على أنك عالم بما يعلمه المخاطب، وما زاد على ذاك فهو لغو، يعتبر لغو زيادة على الكلام، نقول: يعتبر لغوًا.
فالأصل فيه أن يقتصر من التركيب على قدر الحاجة في إفادة الحكم أو لازم الحكم، فلذا قال الناظم: (وَلِلْمَقَامِ انْتَبِهِ). إن كان المقام يقتضي إفادة المخاطب فحينئذٍ تأتي بألفاظ تفيد الخطاب فقط ولا تزد، وإن كان المراد إفادته لازم الفائدة فحينئذٍ تأتي بألفاظ تدل على ذلك ولا تزد، ... (وَلِلْمَقَامِ انْتَبِهِ) أي: مقام التخاطب (انْتَبِهِ) أمر من انْتَبَهَ يَنْتَبِهُ والانتباه هو التيقظ يعني: تيقظ لذلك.
ثم ذكر مما يناسب المقام ولا يزد ولا يُنْقِص ما يسمى بأَضْرُبِ الخبر، أَضْرُب الخبر ثلاثة:
ابتدائي، طلبي، إنكاري.
الابتدائي له موضع، والطلبي له موضع، والإنكاري له موضع.
إِنْ ابْتِدَائِيًّا فَلاَ يُؤَكِّدُ ... أَوْ طَلَبِيًّا فَهْوَ فِيهِ يُحْمَدُ
وَوَاجِبٌ بِحَسَبِ الأِنكَارِ ... .............................
بيت ونصف اجتمع فيه أضرب الخبر الثلاثة، مشهورة عند البيانيين، ... (إِنْ ابْتِدَائِيًّا) إن شرطيًا (ابْتِدَائِيًّا) خبر كان أو يكن محذوف مع اسمها لأن إن لا يليها الاسم البتة، لا يليها اسم فإن جاء مرفوعًا حينئذٍ قلنا هذا فاعل لفعل محذوف أليس كذلك؟ أو نائب فاعل، {وَإِنْ أَحَدٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ} [التوبة: 6] {وَإِنْ أَحَدٌ} أحد جاءت بعد إن {وَإِنْ} في لسان العرب لا يتلوها الاسم المرفوع البتة، فإن كان كذلك حينئذٍ لا يعرب مبتدأ خلافًا لمن جوز ذلك فإنه لا يعرب مبتدأ، فحينئذٍ نقول: ... {أَحَدٌ} فاعل لفعل محذوف إن استجارك أحد، وقد يكون نائب فاعل {إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ} [التكوير: 1] {كُوِّرَتْ} هي نائب فاعل {إِذَا الشَّمْسُ} {الشَّمْسُ} هذه إيش إعرابها؟ نائب فاعل ما الذي دلك على ذلك {كُوِّرَتْ}، كُور هذا مغير الصيغة إذًا إذا كورت الشمس هذا الأصل لماذا؟ لأن إذا شرطية ولا يتلوها إلا الفعل، إن جاء بعد إن أو إذا اسم منصوب حينئذٍ الغالب تجعله خبرًا لكان المحذوفة مع اسمها وهذا الذي عناه ابن مالك في قوله: ويحذفونها. يعني: كان.
ويحذفونها ويبقون الخبر ... وبعد إن ولو كثيرًا ذا اشتهر
«التمس ولو خاتمًا». «خاتمًا» ما الناصب له؟ تقول: خبر كان، أين كان؟ تقول: كان راحت في خبر كان [ها ها]. يعني: حُذفت التمس ولو كان الملتَمَسُ خاتمًا، ولو كان كَان حذفت والملتمس هذا اسمها محذوف معها.