إذًا الفن الأول من الفنون الثلاثة علم المعاني، والأنسب بلفظ العلم هنا في الترجمة أنه نفس الأصول والقواعد، يعني: القواعد التي هي المعاني، يعني عندنا قواعد في الفن وعندنا أصول كما هو الشأن في باب النحو، الفاعل مرفوع قاعدة، المفعول به منصوب قاعدة، مطلق الأمر للوجوب قاعدة الأصوليين هنا كذلك في علم المعاني ثَّم قواعد المراد هنا في هذه الترجمة نفس الأصول والقواعد، يدل على ذلك قوله: (مُنْحَصِرُ الأَبْوَابِ فِي ثَمَانِ) والذي ينحصر هو المعلوم، وهو الذي ينحصر لا العلم بمعنى الْمَلَكَة، لأنه لا ينحصر أو الإدراك.
علم المعاني، قدَّم علم المعاني على البيان لكون منه بمنزلة المفرد من المركب - كما سيأتي - يعني: علم البيان هو المعاني وزيادة، فعلم المعاني جزءٌ من علم البيان، فإذا كان كذلك صار مفردًا وصار البيان مركبًا، ومعلومٌ أن تقديم المفرد أو العلم بالمفرد على العلم بالمركبات هو السند الذي يقتضيه الطبع.
وقدّم الأول عند الوضع ... لأنه مقدمٌ بالطبع
إذًا المفردات تُعْلَمُ أولاً قبل المركبات، إذًا لكون منه بمنزلة المفرد من المركب - كما سيأتي - والمفرد مقدم على المركب طبعًا فقدم وضعًا ليوافق الوضع الطبع، ثم عرفه بقوله:
وَعَرَبِيُّ اللَّفْظِ ذُو أَحْوَالِ ... يَأْتِي بِهَا مُطَابِقًا لِلْحَالِ
(عَرَبِيُّ اللَّفْظِ) من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: اللفظ العربي ... (عَرَبِيُّ اللَّفْظِ) أي: اللفظ العربي، قَدَّمَ وأَخَّرَ فيكون من باب إضافة الصفة إلى الموصوف، ما هو الصفة؟ (عَرَبِيُّ)، ما هو الموصوف؟ ... (اللَّفْظِ)، قدّّم الصفة على الموصوف ثم أضافها، قال: (عَرَبِيُّ اللَّفْظِ). إذًا من إضافة الصفة إلى الموصوف، أي: اللفظ العربي الموصوف بالفصاحة والبلاغة لا بد من هذا، وإلا كيف يكون كذلك إذا لم يكن موصوفًا بالفصاحة والبلاغة، إذًا (عَرَبِيُّ اللَّفْظِ) أطلقه وأراد به شيئًا معهودًا وهو اللفظ العربي احترازًا من غيره، ثانيًا: كونه موصوفًا بالفصاحة والبلاغة، وقيَّد اللفظ بكون عربيًا ليخرج غيره، فإنه إنما يتكلم في قواعد اللغة العربية (ذُو أَحْوَالِ)، (ذُو) (وَعَرَبِيُّ) هذا مبتدأ (ذُو) هذا خبر
أين المبتدأ وأين الخبر؟
وَعَرَبِيُّ اللَّفْظِ ذُو أَحْوَالِ ... يَأْتِي بِهَا مُطَابِقًا لِلْحَالِ
عِرْفانُهَا عِلْمٌ هُوَ المَعَانِي ... ........................
جملة (عِرْفانُهَا عِلْمٌ هُوَ المَعَانِي) هو الخبر، وأما (ذُو) هذا وصفٌ له وهو يريد الآن ماذا؟ أن يجعل لنا جنس، ثم يأتي بالفصل ثم يأتي بالفصل، الفصول كلها التي تأتي في الحدود أوصاف نعوت يعني، إذا قلت مثلاً: الكلام لفظٌ مفيد مركب بالوضع، كل لفظٌ هذا موصوف، مفيدٌ، مركب كلها صفات، تعتبر صفات، إذًا (ذُو) بمعنى صاحب (أَحْوَالِ) أي: أمورٍ عارضةٍ له من تقديمٍ وتأخيرٍ وتعريفٍ وتنكيرٍ وحذفٍ وذكرٍ وغير ذلك من ما يأتي بيانه، إذًا (ذُو أَحْوَالِ) يعني: صاحب (أَحْوَالِ)، والمراد بالـ (أَحْوَالِ) هنا الأمور العارضة، ما هي هذه الأمور العارضة؟