الضمير الأول: مستتر وهو فاعل يؤلف يعود إلى الشخص المتكلم، ومرده في اللفظ هنا الذي لأنه المذكور، (يُؤَلِّفُهْ) الضمير البارز المفعول به يعود إلى الكلام البليغ، الكلام البليغ وليس فصيح، الكلام البليغ أو الكلام الفصيح باعتبار المطابقة لا إشكال، إذًا (وَالَّذِي يُؤَلِّفُهْ) أي: الذي يؤلف الكلام البليغ بليغٌ، فالضمير البارز يعود على الكلام البليغ، والضمير المستتر الفاعل يعود إلى المتكلِم، فبلاغة المتكلم على المشهور قد سبب خلل هنا من الاختصار قولهم: هي بلاغة المتكلم، هي مَلَكَة يُقْتَدَرُ بها على تأليف كلام بليغ. مَلَكَة لأن قوله: (وَالَّذِي يُؤَلِّفُهْ) لا يدل على الْمَلَكَة وهذا لا بد من اعتباره، فليس كلّ من تكلم بكلام بليغ يكون بليغًا، ليس كل من تكلم بكلام بليغ يكون بليغًا، بل لا بد أن تكون البلاغة صفة راسخة بمعنى أنه عنده مَلَكَة على إنشاء الكلام البليغ، بمعنى أنه يكون مطردًا في جميع أحواله سواء كان ناطقًا أم ساكتًا، يعني: هذا أو ذاك، ولو كان نائمًا [ها ها] فيوصف بكونه بليغًا، إذًا مَلَكَة لا بد من اعتبار الْمَلَكَة فقوله: (وَالَّذِي يُؤَلِّفُهْ) لا يفيد ذلك، والْمَلَكَة كيفية راسخة في النفس، ففيه إشارة إلى أن البلاغة من الهيئات الراسخة حتى لو تكلم بكلام بليغ وليس له مَلَكَة فغير بليغ، وليس كل من ركب كلامًا صار بليغًا، والْمَلَكَة إنما تحصل بالملازمة والممارسة، مَلَكَة العلوم كلها، في البيان، وفي النحو، والصرف، والْمَلَكَة الفقهية، هذه كلها لا تحصل إلا بالملازمة والممارسة، وأما المطالعات العشوائية هذه لا تنبت الْمَلَكَة البتة يعني: لا تكون عنده مَلَكَة البتة، لا بد أن يلازم الفن ملازمة تامة حتى تحصل عنده مَلَكَة، وإذا كان كذلك حينئذٍ يقال إنه بليغ، وأما ما عدا ذلك فلا، والله المستعان.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015