والنحو أشبه ما يكون بالقشور، إذًا هذه العلوم الثلاثة متلازمة النحو، والصرف، والبيان، على خلاف من شاع عند المشتغلين بالعلم الشرعي أنه لا بد أن يركز على النحو ثم يترك ما سواه، نعم النحو أهمها ويأتي بعدها في المرتبة الصرف، ويأتي في المرتبة الثالثة علم البيان، لكنها متلازمة من حيث الدلالات، لا يمكن أن يفهم النحو على وجهه إلا بفهم الصرف والبيان، ولا يمكن أن يفهم الصرف على وجهه به إلا بفهم النحو والبيان، كذلك البيان هذا ثمرة علم النحو، [كالعلم بالنسبة لـ أو] (?) كالعمل بالنسبة للعلم، حينئذٍ إذا وجد العلم بلا عمل حينئذٍ كالشجر بلا ثمر فلا فائدة فيه، وكذلك علم البيان ثمرة النحو، فحينئذٍ إذا لم يكن ثمرة حينئذٍ لا فائدة من النحو وإنما يكون علمًا جافًا ظاهريًّا، وأما الغوص فيه فهذا يكون لأهله.

قال الثَّعَالَبِيُّ في كتابه ((الإعجاز والإيجاز)): " من أراد أن يعرف جوامع الكلم ويتنبه على فضل الإعجاز والاختصار، ويحيط ببلاغة الإيماء ويفطن لكفاية الإيجاز، فليتدبر القرآن وليتأمل علوه على سائر الكلام ". وهذا يدل على أن الأصل في فهم بلاغة العرب إنما هو القرآن، ولذلك نقول دائمًا: من أراد أن يُحِيطَ بفن البلاغة فليأخذ مختصرًا مما يُرشد بيان مصطلحات أهل العلم ثم ليعتكف على تفاسير أهل العلم خاصة مما يعتني بلسان العرب في تفسير القرآن مع المأثور، ولا شك في أنه أصل لكن يجمع بين المأثور وغيره بأن يجعل نصيبًا وحظًا وافرًا للكتب التي تعتني بالإعراب وبيان وجوه الصرف وكذلك البلاغة، فمن أراد بيان جوامع الكلم حينئذٍ فليعتكف على القرآن بعد أن يأخذ نصيبًا وافرًا من فهم مصطلحات أهل الفن على خلاف ما شاع عند البعض من أنه يجعل الدواوين ولسان العرب والأشعار والمنثورات مما أُثِرَ عن العرب أنه أصل في فهم بلاغة العرب، والعكس هو الصحيح، نعم قد يخفى بعض مدلولات القرآن لأنه نزل بلسان عربي مبين فحينئذٍ ترجع إلى لسان العرب من حيث النقل يعني: ما نقل عنهم في المنظوم والمنثور، وتنظر ماذا استخدموا في هذه الكلمة، وماذا عنوا بها، لكن لا يكون هو الأصل، ولا يكون طالب العلم معتكفًا على المعلقات وعلى الدواوين ويجعله أصلاً، ثم تشغله وتأخذ عمره عن الاشتغال بالقرآن، بل من كان في صدره القرآن ولو جزءًا منه فحينئذٍ يكون قد جمع في صدره مفردات وتراكيب لا نظير لها في لسان العرب البتة، لا بد أن يكون على يقين من هذا، فتراكيب القرآن أعلى درجات التركيب، وكلمات القرآن الموجودة في أعلى درجات الفصاحة من حيث الإفراد ومن حيث التركيب، خير الكلام ما طَرُفَتْ معانيه وشَرُفَتْ مبانيه والتَّذَّهُ أذان السامعين، وهذا أعلى ما يصدق على القرآن.

هذه المنظومة مختصرة ولم تكن شائعة عند بني أبناء الزمان لكن طلبًا للاختصار وإطالة للجوهر المكنون وقد أراد كثير من الطلاب أن تكون بدلاً عنه سيأتي تفصيل إن شاء الله تعالى.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015