وإن كان كاملاً يعطي معنًى أطول منه فهو إيجاز قصر، وقد يجتمعان في نحو فلان يعطي ويمنع، فإذا جعلت الفعل قاصرًا من باب {هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ} [الزمر: 9] حينئذٍ هذا قصر، إيجاز قصر، وإذا جعلته مما حذف مفعوله بمعنى أنه مما كان الأصل فيه ذكر المفعول ولم تُنَزِّله مُنَزّلة القاصر حينئذٍ لزم، يعني لزم التقرير كما مرّ معنا حينئذٍ صار فيه إطناب. فإذا جعلت الفعل قاصرًا فهو إيجاز قصر، وإذا جعلته متعدّيًا وحذفت المفعول إرادة العموم فهو إيجاز حذف. يعني لفظ واحد يحتمل الأمرين. فإيجاز القصر أن يتيسر للمتكلم كلام لفظه قليل ومعناه كثير، اللفظ القليل والمعنى كثير. مثاله قوله تعالى: {وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ} [البقرة: 179]. فإن معناه كثير ولفظه قليل لأن معناه أن الإنسان إذا علم أنه متى قَتَلَ قُتِلَ كان ذلك داعيًا إلى أن لا يقدم على القتل فارتفع بالقتل الذي هو القصاص كثير من قتل الناس بعضهم لبعض، وكان ارتفاع القتل حياةً لهم، وليس فيه حذف شيء، هذا المعنى كثير دل عليه هذا الكلام القليل، وهذا إيجاز. وإيجاز الحذف. قال السبكي: لا يقال إيجاز القصر فيه أيضًا حذف لكلام كثير، لأن إيجاز القصر يؤتى فيه بلفظ قليل يؤدي معنى لفظ كثير، وإيجاز الحذف يترك فيه شيء من ألفاظ التركيب الواحد مع إبقاء غيره لحاله، يعني لا بد فيه من الحذف. وإيجاز الحذف قال هنا: (وَحَذْفُ جُمْلَة أَوْ جُمَلِ أَوْ جُزْءِ جُمْلَةٍ). ذكر أن الحذف، إيجاز الحذف هو ما حُذِفَ منه شيء، ثُمَّ هذا المحذوف إما أن يكون جملة وإما أن يكون جمل، وإما أن يكون جزء جملة، يعني ليس بكلام مستقل فهو أنواع ثلاثة. وإيجاز الحذف إما حذف جملة، والمراد بالجملة هنا الكلام المستقل الذي لا يكون جزءًا من كلام آخر، يعني ليس بجملة الشرط وحدها أو جملة الجواب وحدها، ولذلك جُعِلَ جملة الشرط وجملة الجواب من قسم حذف جزء الجملة. مثاله قوله تعالى: {فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} [البقرة: 60]. {فَانفَجَرَتْ}، {فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ} فضرب الحجر {فَانفَجَرَتْ} إذًا حذف جملة، مراد بها كلام مستقل، يعني حذف كلامًا أوله وآخره يسمى كلامًا، وهذا دل عليه الفاء هنا، أي فضربه بها فانفجرت فقوله: فضرب بها جملة محذوفة، (أَوْ جُمَلِ) يعني أن يكون المحذوف جمل ليست جملة واحدة أي فوق جملة اثنتان فأكثر كقوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِي نَجَا مِنْهُمَا وَادَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ أَنَاْ أُنَبِّئُكُم بِتَأْوِيلِهِ فَأَرْسِلُونِ * يُوسُفُ} [يوسف: 45، 46] {فَأَرْسِلُونِ} يعني: فأرسلوني فذهبت .. قصة كاملة فحُذِفَ كلُّ ما ذُكِر {يُوسُفُ} لأنه منذ أن قال لهم الكلام مباشرة واجه يوسف؟ لا، وإنما حذف عدة جملة، هذا يكون في القصص القرآني كثير جدًا يعني يُخْتَصَر. وهذا مثل ما يفعله بعض الناس يريد أن يخبرك عن شيء في السوق فذهبت ووقفت هذا الأصل فيه الكلام البليغ أن يُحْذَف ويؤتى بمباشرة المقصود، أي {فَأَرْسِلُونِ} فأرسلوني إلى يوسف لأستعبره الرؤيا ففعلوا فأتاه فقال له: يا يوسف.