ومثال التوكيد اللفظي تُنَزّل الثاني مُنَزّلة التوكيد اللفظي قوله تعالى: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ}. أيضًا في نفس السورة {ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} إذا جُعلت جملة مستقلة بالنسبة لقوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ} هذه الجملة تعتبر مؤكدة أو بمنزلة التأكيد اللفظي لقوله: {ذَلِكَ الْكِتَابُ}، {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} فإن معناه أنه في الهداية بالغ درجة لا يدرك كُنْهُهَا من أين أخذنا هذا؟ لما في تنكير هدى، هُدى دال على الإبهام والتفخيم التنكير يدل على الإبهام ويدل على التفخيم، والإتيان به دون هادٍ اسم فاعل حتى كأنه هداية محضة، لذلك تقول: زَيْدٌ عَدْل. كأنه هو العدل بعينه ولا يقال: زَيْدٌ عَادِل. إذا أردت المبالغة تقول: زَيْدٌ عَدْلٌ. إذًا هو العدل بعينه لا يزيد عنه ولا ينقص، {هُدًى} إذًا هو الهداية بعينها، فلو قلت: هادٍ. فهو أقل معنى من {هُدًى}، وكذلك عادل هو أقل معنًى من العدل، لأن المصدر يدل على تمام المعنى. وقوله: هادٍ. إذًا {هُدًى} أدل على المقام من هادٍ حتى كأنه هداية محضة، وهذا معنى {ذَلِكَ الْكِتَابُ} لأن معناه الكتاب الكامل أي في الهداية إذ هي المقصود من الإنزال فهو بإنزال جيد للثاني في قولك: جَاءَ زَيْدٌ زَيدٌ. إذًا {ذَلِكَ الْكِتَابُ} لما عرّف الجزأين وكان المراد به الكمال، الكمَال في ماذا؟ القرآن أو الكتاب إنما أُنزل من كونه هادٍ إلى طريق الله عز وجل، فإذا قيل: {هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ} يكون فيه توكيد لفظي من جهة المعنى. إذًا هذا ما يتعلق بالجملة الثانية إن كانت مؤكِّدة، وأما البدل من كون الثاني بدلاً من الأولى لنكتة كـ كون المراد لطيفًا أو مطلوبًا في نفسه فتُنَزّل الثانية بمنزلة البدل المطابق نحو قوله تعالى: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ} [طه: 120]. {قَالَ يَا آدَمُ} ما قال: وقال يا آدم. لماذا؟ لأن {قَالَ يَا آدَمُ} هو عين الوسوسة، أليس كذلك؟ جَاءَ زَيْدٌ أَخُوكَ، أخوك بدل مطابق، بدل كلّ من الكل، هل يصح أن تقول: جَاءَ زَيْدٌ وَأَخُوكَ، وأردت به البدلية؟ الجواب: لا، إذًا هنا لما كان قوله: {قَالَ يَا آدَمُ} هو عين الوسوسة فسرها لأن قوله: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ}. هذا فيه شيء من ناحية الإجمال، فقال: {قَالَ يَا آدَمُ}. ففصل جملة {قَالَ} لأنها بمنزلة البدل المطابق من وسوس، والنكتة في الإبدال هنا لطافة المراد ودقته، وهذا مثال صالح لعطف البيان فنحتاج إلى إعادة، لأن كل ما صلح أن يكون بدل كل من الكل فهو عطف بيان. إذًا {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ قَالَ يَا آدَمُ} لِمَ فصل؟ لكون الجملة {قَالَ يَا آدَمُ} بمنزلة البدل المطابق من قوله: {فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطَانُ} أو بمنزلة عطف البيان، أو بمنزلة بدل البعض نحو قوله تعالى: {أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ * أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ} [الشعراء: 132: 134] انظر {أَمَدَّكُم}، {أَمَدَّكُم}. {أَمَدَّكُم} الأولى فيها شيء من التعميم أو الإبهام ... {أَمَدَّكُم بِمَا تَعْلَمُونَ} ما هو؟ قال: {أَمَدَّكُم بِأَنْعَامٍ وَبَنِينَ * وَجَنَّاتٍ وَعُيُونٍ}.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015