ثم قال ختم الباب بقوله: (ثَمَّ مَوْضِعَ الإِنْشاءِ) قد يقع الخبر. ثم قد يقع الخبر موضع الإنشاء، مرّ معنى أن الكلام نوعان: خبرٌ، وإنشاء. وعرفنا المراد بالخبر والمراد بالإنشاء، قد يستعمل يعني: تأتي بالجملة بلفظ الخبر والمعنى إنشاء، وقد يقع العكس، لكن الأكثر أن يستعمل الخبر موضع الإنشاء، والثاني مختلفٌ فيه. ولذلك قال هنا: (ثَمَّ) للترتيب الذكري ... (مَوْضِعَ الإِنْشاءِ) بالنصب مفعولٌ مقدم لقوله: (يَقَعُ). (قَدْ) للتحقيق و (يَقَعُ) فعل مضارع و (الْخَبَرُ) فاعل (مَوْضِعَ) يعني مكان (الإِنْشاءِ)، أي قد يقع الخبر موقع الإنشاء أي: ترد صيغة الخبر ويراد بها الإنشاء لمعنًى من المعاني، منها ما ذكره الناظم بقوله: (لِلتَّفَاؤُلِ) بوقوع المعنى المطلوب فيعبر عنه بصيغة الماضي الحاصلة التي حقها أن يخبر عنها بأفعالٍ ماضية، يعني: عرفنا أن الإنشاء يكون في المستقبل شيءٌ لم يقع، ولذلك من أبرز ما يميز الخبر عن الإنشاء، الخبر شيءٌ مضى انتهى هذا الأصل فيه، والإنشاء يكون بشيءٍ متعلقٍ في المستقبل، تعبر عن المستقبل بشيءٍ قد مضى للدلالة على أنه واقعٌ وحاصل وهذا ما عناه بقوله: (لِلتَّفَاؤُلِ). يعني التفاؤل بماذا؟ بوقوع المعنى المطلوب مثل ماذا؟ غفر الله لك، هذا دعاء اللهم اغفر لك مثلاً أو له، حينئذٍ نقول: اغفر هذا الأصل، وَضِعَ موضعه غَفَرَ وهو فعلٌ ماضي للدلالة على ماذا؟ على التفاؤل بوقوع المطلوب وهو حصول المغفرة من الله للمخاطب، فإنه أبلغ من: رب اغفر له. قد يقال: رب اغفر له، وقد يقال: غفر الله لك، أيهما أبلغ؟ غفر الله لك، بخلاف اغفر، حيث أتى بصيغة الماضي كأنه وقع فأخبر عنه، (وَالْحِرْصُ) يعني والإظهار الحرص، يعني: وقصد الحرص في وقوع المطلوب الذي اشتمل عليه الخبر لأن الطالب إذا عظمت رغبته في شيءٍ كثر تصوره إياه وربما يخيل إليه أنه حاصلٌ، هذا يسمى حرصًا، حينئذٍ نورده بلفظ الماضي نحو: رزقني الله لقاءك، وزارني محبوبي ما كان اللهم ارزقني لقاءه، وزرني يا محبوبي. يعني أتى بالجملة الفعل الماضي للدلالة على الدار. قال القزويني: والدعاء بصيغة الماضي من البليغ نحو: رحمه الله يحتملها. يعني يحتمل التفاؤل ويحتمل الحرص. وهنا نصٌ من البيانيين وهو محل وفاقٍ في معنى على أنه يعبر عن الرحمة برحمه الله، والآن استبدلت عند البعض يرحمه الله وهذا غلظ، يعني ليس، يجوز من ناحية اللغة لكن ناحية المعنى البليغ لا، والدعاء بصيغة الماضي من البليغ نحو: رحمه الله يحتملها أي التفاؤل وإظهار الحرص، وأما غير البليغ فهو ذاهبٌ عن هذه الاعتبارات. (أَوْ بِعَكْسِ ذا) عكس ماذا؟ استعمال الإنشاء مرادًا به الخبر هذا مختلفٌ فيه هل هو واقعٌ أم لا؟ لكن المشهور وجوده، ووجوده في بعض الأمثلة فقط، يعني ليس له قواعد وليس له يعني نكات (تأَمَّلِ) أي تأمل المذكور، (أَوْ بِعَكْسِ ذا) أي عكس قولنا: قد يقع الخبر موقع الإنشاء أي: قد يقع الإنشاء موقع الخبر، أي يُستعمل الخبر بصيغة الطلب لنكتٍ تُدْرَكُ بالتأمل. ولذا قال الناظم: (تأَمَّلِ). منها قوله تعالى: {قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ} [الأعراف: 29].