ثانيًا: لداعية المقام، وهذا سيأتي بحثه في علم المعاني، وإن كان لفظ الجلالة أهم بالتقديم لذاته لأن لو نظرنا عندنا (الْحَمْدُ) وعندنا متعلق الحمد، وهو الله عز وجل أيهما أهم بالتقديم؟ لا شك أنه الثاني، لكنه ما رعى هذا، وإنما قدم الحمد على لفظ الجلالة، هل لكون الحمد أفضل وأهم؟
الجواب: لا. لكن لمطابقة ورعاية المقام، لأن المقام هنا مقام ثناءٍ وذكر، فيذكر اللفظ ويؤخر المحمود أو الْمُثْنَى عليه، وهذا مطابقةً لرعاية المقام، فرعاية المقام هنا أنسب للبلاغة كما سيأتي في حد البلاغة إذ هي مطابقة الكلام لمقتضى المقام.
وضد الحمد الذم كما أن ضد الشكر الكفران.
ثم لما أثنى على الخالق جل وعلا ثنَّى بالثناء على أفضل الخلق على الإطلاق.
أفضل الخلق على الإطلاق ... نبينا فمل عن الشقاق
فقال: (وَصَلَّى اللهُ عَلَى رَسُولهِ الَّذِي اصْطَفَاهُ)، (وَصَلَّى اللهُ) هذه جملةٌ خبريةٌ لفظًا إنشائيةٌ معنى، لأن المراد بها الدعاء، مراد بها الدعاء، ومعنى (وَصَلَّى اللهُ) أي: أثنى الله على عبده في الملأ الأعلى - على أصح ما تفسر به الصلاة -،حينئذٍ إذا صلَّى الله على العبد بمعنى أنه أثنى عليه في الملأ الأعلى - وكما ذكرنا هي جملةٌ خبرية من حيث اللفظ إنشائيةٌ من حيث المعنى - معناها الدعاء، والصلاة فعالٌ من صَلَّى إذا دعا.
(عَلَى رَسُولهِ) الضمير يعود على الله عز وجل، والجار مجرور متعلق بقوله: (صَلَّى) لأنه فعلٌ، (عَلَى رَسُولهِ) وفي نسخة: على نبيه ولا إشكال، وعليه لفظ الأفراح، والرسول من البشر إنسانٌ أوحي إليه بشرعٍ وأمر بتبليغه - على ما اشتهر عند أرباب التصنيف - النبي إنسانٌ أوحي إليه بشرعٍ فهو أعم من الرسول على المشهور كل رسول نبي ولا عكس، رسول فعول بمعنى مفعل (عَلَى رَسُولهِ) رسول فعول بمعنى مفعل أي: المرسل وحذف المتعلق هنا (عَلَى رَسُولهِ) إلى من حذف المتعلق ما قال إلى الجن ولم يقل إلى الإنس ولم يقل إلى الملائكة، وإنما حذف المتعلق لإفادة العموم لأن من صيغ العموم حذف المتعلق إذًا (عَلَى رَسُولهِ) رسول فعول، وفعول من متعلقات الجار والمجرور الظرف، حينئذٍ نقول: حذف المتعلق للدلالة على العموم، إذ هو مرسل لجميع الخلق على خلافٍ في الملائكة، أما الجن والأنس فهو محل إجماعٍ.