أو يكون الحذف للمفعول مع إداراته لرد توهم السامع غير القصد، وعبَّر عنه السيوطي بقوله: [دفع ابتداء، نعم] (?)، دفع ابتدار الذهن إلى غير المراد. يعني: حذفه من أجل أن لا يتوهم السامع شيئًا لم يرد أي: غير المراد، بأن يسبق الذهن إلى غير المراد، كقوله: وسورة أيامٍ حززنا إلى العظم، حززنا هنا الشاهد حززنا أي: قطعنا إلى العظم، الأصل حززنا اللحم، قطعنا اللحم إلى العظم، لو قال: حززنا اللحم يتبادر الذهن إلى ماذا؟ إلى أنه لم يصل القطع إلى العظم، لكن لما حذفه صار ماذا؟ حززنا إلى العظم، إذًا بلغ الحزُّ مبلغه وهو العظم، ففيه ماذا؟ فيه رد توهم ما قد يقع على للسامع، فحُذِفَ مفعول حززنا وهو اللحم لأنه لو ذكره ربما توهم السامع قبل ذكر ما بعده أن الحزَّ لم ينته إلى العظم، وإنما كان في بعض اللحم فحذفه دفعًا لهذا التوهم، إذًا (أَوْ لِرَدِّ تَوَهُّمِ السَامِعِ غيْرِ الْقَصْدِ) يعني: غير المراد من كلام المتكلم، أو هو للتعميم، أو يكون هو أي: الحذف للتعميم في المفعول مع الاختصار، كقولك: قد كان منه ما يؤلم، ما يؤلم كل أحدٍ. لما حذف أفاد التعميم، بقرينة أن المقام مقام المبالغة، وهذا التعميم وإن أمكن أن يستفاد من ذكر المفعول بصيغة العموم، لكنه يفوت معه الاختصار هنا الغرض أمران: تعميمٌ مع اختصار. لأنه قد يقول قائل يؤلم كل أحدٍ ذكر المفعول أيضًا فيه تعميم، لماذا نقول الحذف للتعميم؟ واضح هذا؟ يؤلم قلنا: حذف المفعول من أجل إفادة التعميم، فيقول: أذكر المفعول بلفظٍ وصيغةٍ تدل على العموم، إذًا يؤلم كل أحدٍ. نقول: لا، المراد هنا التعميم مع الاختصار. ما هو الاختصار؟ حذف المفعول، وفرقٌ بين اللفظين، فَعِلَّة الحذف هنا مركبة من التعميم والاختصار، قال تعالى: {وَاللهُ يَدْعُو إِلَى دَارِ السَّلاَمِ} [يونس: 25]. يدعو من كل؟ عباده، حذف المفعول هنا للإفادة العموم، أي جميع عباده، وهنا أفادت الآية العموم تحقيقًا لا مبالغة كالمثال السابق.

(أَوْ لِلْفَاصِلَهْ) أو يكون الحذف للفاصلة، يعني: لأن تراعى الفاصلة، وهو آخر الفقرة، كقوله تعالى {وَالضُّحَى * وَاللَّيْلِ إِذَا سَجَى * مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا} [الضحى: 1، 3] قلاك هذا الأصل فحذف المفعول به مراعاةً للفاصلة {وَمَا قَلَى} لأن آخرها الألف، وقيل للاختصار ولا مانع أن يجتمع الغرضان في مثالٍ واحد. أي: ما قلاك، فحذف المفعول هنا لأن فواصل الآية على الآي على الألف، نعم، (أَوْ هُوَ لاِسْتِهْجَانِك المُقَابَلَه) يعني: يحذف المفعول به من أجل أن لا تقابل المخاطب بلفظٍ فيه قُبح، يعني: من أجل الاستهجان وهو قبيح لو ذكرته، أو يكون هو أي: للحذف (لاِسْتِهْجَانِك) أي: استقباحك (المُقَابَلَه) منك المخاطب بذكر فيحذف تجنبًا لها كقول عائشة إن صح عند ذكر أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم -: ما رأيت منه ولا رأى مني. يعني: ما رأيت منه العورة ولا رأى مني

فحُذِفَ المفعول هنا من الموضعين لما في التصريح بلفظ العورة من الهجنة يعني: القبح، وقرينة الحذف اقتران هذا الكلام بذكر أحوال النبي - صلى الله عليه وسلم - وقت مباشرة نسائه.

ثم قال:

طور بواسطة نورين ميديا © 2015