ومثله {وَأَنَّهُ هُوَ أَضْحَكَ وَأَبْكَى} [النجم: 43] أضحك من؟ حُذِفَ، لا نقول: حُذِف، وإنما نقول: أضحك استُعمل ابتداءً مراد به الإضحاك، وأبكى استعمل ابتداءً مراد به الإبكاء {وَأَنَّهُ هُوَ أَمَاتَ} ... [النجم: 44] أمات من؟ {وَأَحْيَا} أحيى من؟ و {أَغْنَى وَأَقْنَى} [النجم: 48] كل هذه أفعال متعدّية في الأصل لكن المراد بها هنا اللازم، فليس عندنا مفعول، فلا تقدر، إذا عرفتَ تقول: أضحك والمفعول به محذوف. لا، ليس عندنا هنا محذوف، لأن المراد هو الذي منه الإضحاك والإبكاء والإماتة والإحياء والإغناء والإقناء. حينئذٍ فعل أُسْنِد إلى فاعله بقطع النظر ليستوي، يعني مصدر الإحياء هو الله عز وجل {أَضْحَكَ وَأَبْكَى} مصدر الإضحاك هو الله عز وجل، إذًا المراد بإسناد الفعل إلى فاعله بقطع النظر عن تعلقه فنُزِّل مُنَزَّلة اللازم، واضح هذا؟
إذًا - نرجع إلى الأبيات - (وَإِنْ يُرَدْ) النفي أو الإثبات له مطلقًا
يعني: للفعل الاصطلاحي. (فَذَاكَ مِثْلُ لاَزِمٍ) مثل فعل اللازم (فِي المَنْزلَةْ) فلا يتعدى، لكن انتبه من غير تقدير للمفعول به. إذ لو قدرت المفعول به لم يكن مثل اللازم؛ لأن الفعل المتعدي قد يُذكر معه مفعوله وقد يحذف لغرض، والمحذوف لغرض كالموجود وليس هو بلازم، وإنما الكلام هنا في الفعل المتعدي المنزل منزلة اللازم بأن لا يكون له مفعول أصلاً، وهذا مثله. وإما إذا قدرت، فلا، خرج الكلام عن المراد. إذًا (وَإِنْ يُرَدْ إِنْ لَمْ يَكُنْ قَدْ ذُكِرَا) المفعول به هذا القيد يعني: لم يذكر (إِنْ يُرَدْ) (النَّفْيُ مُطلَقًا) يعني: نفي الفعل، أو الإثبات له مطلقًا بقطع النظر عن عموم أو خصوص في الفعل في أفراده وبقطع النظر عمن وقع عليه الفعل، (فَذَاكَ) الفعل المتعدي (مِثْلُ لاَزِمٍ فِي المَنْزلَةْ) والمكانة والمرتبة (مِنْ غَيْر تَقْدِيرٍ وَإِلاَّ) هذا الضرب الثاني، (إِلاَّ).
الضرب الأول: قطع النظر عن المفعول به ابتداءً.
الضرب الثاني: لم يقطع النظر. بمعنى أن المتكلم أتى بالفعل المتعدي ملاحظًا المفعول سواء ذكره أم لا، إن ذكره فهو الأصل إن لم يذكره حينئذٍ يلزمه التقدير متى هذا؟ إذا أراد الإخبار عن الحدث الفعل مع فاعله ملاحظًا المفعول به، حينئذٍ يكون على أصله، (وَإِلاَّ) أي: الضرب الثاني أن لا يقطع النظر عن المفعول بل يُقْصَدُ ولا يذكر لفظًا ويقدر بحسد الفرائد، أما إذا ذكره فهذا لا إشكال فيه.
(وَإِلاَّ) وإن لم يكن الغرض عند عدم ذكر المفعول مع الفعل المتعدّي المسند إلى فاعله إن لم يكن الغرض إثباته لفاعله أو نفيه عنه مطلقًا، بل قصد تعلقه بمفعولٍ غير مذكورٍ (لَزِمَا)، (لَزِمَا) الألف هذه للإطلاق، ما الذي لزم؟ قال: (مِنْ غَيْر تَقْدِيرٍ وَإِلاَّ لَزِمَا). ما الذي لَزِم؟ التقدير. (مِنْ غَيْر تَقْدِيرٍ وَإِلاَّ لَزِمَا) يعني: لزم التقدير بحسب القرائن الدالة على تعين المفعول إن كان عامًا فعام وإن خاصًا فخاص، (وَإِلاَّ لَزِمَا).