إذًا الحدوث كم نوع؟

نوعان:

نوعٌ بمعنى الوجود بعد العدم. وهذا يشترك فيه الفعل الماضي والمضارع، بل الفعل كله بأنواعه الثلاثة يدل على حدوث الشيء بعد ألم يكن.

وأما الحدوث الذي هو أخص من هذا المعنى متعلقٌ بالفعل الماضي، وهو حدوث الشيء شيئًا فشيئًا لأن الفعل يدل على الاستمرار، وهذا واضحٌ، يعني: تأمل في دلالة الفعل الماضي تفهم أنه ليس هذا المراد، إذا قلت: زيدٌ يقوم. يعني: يحصل القيام في المستقبل شيئًا فشيئًا، لكن قام زيدٌ هو انتهى وانقطع، فكيف يحصل شيئًا فشيئًا فهذا متنافٍ معه.

إذًا الحدوث نوعان: حدوثٌ بمعنى وجود الشيء بعد ألم يكن، وهذا الفعل بأنواعه الثلاثة يدل عليه، وليس هو مراد النحاة والبيانيين بكون الجملة دالةً على الحدوث، وإنما هو خاصٌ بالنوع الثاني، وهو حدوث الشيء ووجوده مرةً بعد مرة، يعني: شيئًا فشيئًا وهذا لا يدل عليه الفعل الماضي البتة وإنما هو خاصٌ بالفعل المضارع.

إذًا إذا أريد الدلالة على التجدد والحدوث جيء بالمسند بصورة الفعل، إذا أردت أن المسند دالٌ على التجدد والحدوث لا تأتي بالمسند مفردًا أو شبه جملة، وإنما تأتي به بجملةٍ فعلية، هنا قال: كقوله تعالى: {فَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} [البقرة: 87]. أين المسند؟ لا يتصور ابتداءً المسند يعني: مبتدأ وخبر، قلنا: المسند الفعل، قد يسند إلى المبتدأ وقد يسند إلى الفاعل، {فَرِيقاً كَذَّبْتُمْ} كذبتم فريقًا وانتهيتم، فيه حدوث أم لا؟ فيه حدوث، يعني: وقع التكذيب بعد أن لم يكن وفرغتم من التكذيب، لأن دلالة الفعل الماضي تدل على الانقطاع، {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} يعني: قتلتم ولا زال القتل مستمرًا شيئًا فشيئًا، وبهذا استدل ابن كثير على أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات شهيدًا، واضح؟ {فَرِيقاً كَذَّبْتُمْ وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} أي فريقًا فرغتم من تكذيبه، وهذا ليس فيه تكذيب شيئًا فشيئًا لماذا؟ لأنه فعل ماضي، والفعل الماضي يدل على وقع الشيء والانتهاء منه انقطاعه، إذًا {فَرِيقاً كَذَّبْتُمْ} كذبتم فريقًا وانتهيتم من تكذيبه، وفريقًا فرغتم من قتلهم وها أنتم تَسْعَوْنَ في قتل محمد - صلى الله عليه وسلم -، هكذا قال المفسرون، وهذا يدل على ماذا؟ على أن قوله {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} على ما ذكرناه زيدٌ يصلي الصلاة منها ما قد وقع وانتهى ومنها ما هو آتٍ في المستقبل، {وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ} تقتلون دل على شيئين، قتلٌ قد وقع وانتهى، وقتلٌ باقي وما زال، انظروا المعنى كيف يختلف. وكقوله تعالى: {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللهُ} [البقرة: 137] كفاية حصلت وكفاية لا زالت في المستقبل. إذًا:

وَكَونُهُ فِعْلاً فَلِلتَّقيدِ ... بالْوَقتِ مَعْ إِفَادَةِ التَّجَدُّدِ

وَاسْمًا. . . . . . . . ... . . . . . . . . . . . . .

طور بواسطة نورين ميديا © 2015