أي نحن بما عندنا راضون، (لِمَا مَضَى التَّرْكُ) أي ترك المسند إليه لما مضى في حذف المسند إليه، عرفنا الآن وعبَّر هنا بالترك وفيما سبق بالحذف هل هو مقصودٌ أم لا؟ قال: الحذف للصون في المسند إليه، وهنا قال: ... (لِمَا مَضَى التَّرْكُ) هل ثَمّ فرقٌ؟ نعم لأن المسند إليه ركنٌ، فالأصل فيه أن يذكر وهو عمدة محكومٌ عليه، لا يجوز حذفه البتة، هذا أصلٌ إلا إذا دلت قرينة عليه، حينئذٍ إذا ترك لا بد وأن يدل على أنه متروك شيءٌ ما، لا بد أن يدل على كونه متروكًا شيءٌ ما، حينئذٍ لما كان هذا استلزامًا لذكر المسند إليه وجودًا أو عند الحذف، عُبِّر بالحذف للدلالة على أنه يذكر أولاً ثم يحذف، لماذا؟ لكونه عمدة، وأما المسند فهذا يمكن أن يستغنى عنه فلكونه فرعًا عن المسند إليه، عُبِّر عنه بالترك بمعنى أنه قد لا يذكر ابتداءً، وأما المسند إليه فلا يذكر ثم يحذف، ففرقٌ بين النوعين، وعبَّر هنا بالترك وفي المسند إليه بالحذف تنبيهًا على أن المسند إليه هو الركن الأعظم، نعم هو الركن الأعظم من الجزأين، هو الركن الأعظم الشديد الحاجة إليه حتى أنه إذا لم يذكر فكأنه أُتي به ثم حذف، يعني: لا بد أن يكون مذكورًا، إما أن يؤتى به صراحةً وإما أنه يؤتى به ثم يحذف، يعني: لا يترك ابتداءً بل يذكر ثم يحذف لأصالته وعمديته حتى أنه إذا لم يذكر فكأنه أُتِيَ به ثم حذف بخلاف المسند فإنه ليس بهذه المثابة، فكأنه تُرِكَ من الأصل يعني: لم يذكر. إذًا الترك لا يفهم أنه ذكر ثم حذف والحذف لا، ذكر أولاً ثم حذف، وعُبِّر بالتعبيرين لدلالة على أن المسند إليه ركنٌ أعظم، والمسند - وإن كان عمدة - إلا أنه ليس مساويًا للمسند إليه. (لِمَا مَضَى التَّرْكُ) في عبارة الناظم قصور لأنه أحال على شيءٍ حين مضى مطلقًا، لأن في ترك المسند اعتباراتٌ لم تكن هناك، هل كل ما ترك في المسند هو بعينه الغرض في المسند إليه على ظاهر كلام الناظم؟ نعم، (لِمَا مَضَى التَّرْكُ) الترك لكل ما مضى ما اسم موصول بمعنى الذي، إذًا عمّ، فكل تركٍ في المسند هو بعينه الترك أو الحذف في المسند إليه، لكن ليس الأمر كذلك، ثَمّّ تركٌ في المسند ليس موجودًا في المسند إليه، لأن في ترك المسند اعتباراتٍ لم تكن هناك، مثل أن يكون مثلاً قد يحذف المسند لأنه مثل، والأمثال تحكى كما هي، كما في قوله: كل رجلٍ وضيعته. كلُّ: مبتدأ، رجلٍ: مضاف إليه، وضيعته: معطوفٌ على كل أين الخبر؟ محذوف لماذا؟ سماعًا، هل هذا الغرض موجودٌ في المبتدأ؟ لا، ليس موجودًا، فكيف يقول: الترك لما مضى؟ هذا يَرِدُ عليه. إذًا في عبارته قصور لأنه يرد عليه بعض الاعتبارات في المسند من حيث الحذف كما لو كان مثلاً فحينئذٍ يبقى على أصله، أو جاريًا مجرى المثل كقولهم: ضربي زيدًا قائمًا، ضربي زيدًا إذا كان قائمًا، وكأكثر شرب السويق ملتوتًا، إذا كان ملتوتًا، حينئذٍ نقول: قد يُحذف الخبر لغرضٍ ليس موجودًا في المسند إليه، هذا الذي نريده في هذا المقام، فقول (لِمَا مَضَى التَّرْكُ) فيه إجمالٌ والصواب أن بعض الأغراض قد تكون في المسند ولا تكون في المسند إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015