البحث الرابع تنكيره أي: تنكير المسند إليه (وَإنْ يَكُنْ مُنكَّرًا فلِلتَّحقِيرِ وَالضِّدِّ)، (وَإنْ يَكُنْ) المسند إليه (مُنكَّرًا) أي: نكرة فيكون لنكت فوائد يعني (فلِلتَّحقِيرِ) الفاء واقعة في جواب الشرط بمعنى أنه أحقر من أن يُعَيَّن، ما تُعين تأتي بنكرة لأنه إن ذكرته معرفةً فحينئذٍ رفعت من شأنه، وتحقره تأتي به نكرة.

(وَالضِّدِّ) ضد التحقير وهو التعظيم، وهو تعظيم شأنه بمعنى أنه أعظم من أن يُعَيَّن فارتفاع شأنه أو انحطاطه هو المانع من تعريفه فيهما، واجتمعا في قول الشاعر:

لَهُ حَاجِبٌ فِي كُلِّ أَمْرٍ يَشِينُهُ ... وَلَيْسَ لَهُ عَنْ طَالِبِ الْعُرفِ حَاجِبُ

أي: مانع عظيم، حاجب في الأول أي: مانع عظيم عن كل ما يَعِيبُهُ، وليس له عن طالب الإحسان حاجب حقير فكيف بالعظيم، حينئذٍ اجتمع التنكير هنا مرادًا به التعظيم ومرادًا به التحقير.

إذًا (فلِلتَّحقِيرِ وَالضِّدِّ) يعني: تحقير المسند إليه، فهو أحقر من أن يُعَيَّن، (وَالضِّدِّ) الذي هو ضد التحقير، فـ (أل) هنا نائبة عن المضاف إليه أو للعهد، أي: ضد التحقير وهو تعظيم شأنه واجتمعا في البيت السابق.

(وَالإِفْرَادِ) أي: القصد إلى فرد مما يصدق عليه اسم الجنس، كقوله تعالى: {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} [يس: 20]. ما المراد به {رَجُلٌ} يعني: واحد الإفراد إذا أردت الفرد الواحد تأتي باللفظ مُنِكَّرًا، وجاء رجل يعني: رجل واحد. (وَالإِفْرَادِ) {وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى} دلّ على أنه مفرد، أي: رجل واحد وهذه وحدة شخصية، وقد يؤتى به للدلالة على وحدة نوعية، أي: نوع خاص مخالف للأنواع المعهودة وهو أمر واحد تحته وأشياء متعددة سواء كانت متفقة الحقائق أو مختلفة، يعني: ليس كالنوع عند المناطقة، فإنه يدل على متعدد لكنها حقائق متفقة، أي: نوع غريب كما في قوله تعالى: {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} [البقرة: 7]. أي: نوع غريب من الغشاوة لا يتعارفه الناس وهو غطاء التعامي عن آيات الله {وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ} هذا الاعتراض. نقول: المراد به وحدة يعني: وحدة شخصية أو وحدة نوعية؟

وحدة نوعية، لماذا؟ لأن المراد بالغشاوة هنا التعامي عن تدبر آيات الله، وهذا له أسباب وله صفات، متعددة أو متحدة؟

متعددة مختلفة، إذًا غشاوة فيه وحدة لكنها نوعية لا شخصية.

(وَالتكْثِيرِ وَضِدِّهِ) وهو القلة أي يُنَكّر المسند إليه للدلالة على كثرة في أفراد المسند إليه بمعنى أنه كثير حتى لا يُحتاج إلى تعريفه إلى كقولهم: إن له لإبلاً. كثيرة يعني: وبعضهم يجعل التنوين هو الدال على التكثير.

ومنه عند الزمخشري {إِنَّ لَنَا لأَجْراً} [الأعراف: 113] كثيرًا، والقلة نحو قوله تعالى: {وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللهِ أَكْبَرُ} [التوبة: 72]. قليل رضوانه قليل فكيف بالكثير، فهو أكبر وأكبر، أي: رضوان قليل أكبر ليدل على غيره من باب أولى.

إذًا (وَإنْ مُنكَّرًا) يعني: وإن يؤتى بالمسند إليه (مُنكَّرًا فلِلتَّحقِيرِ وَالضِّدِّ) وهو التعظيم (وَالإِفْرَادِ وَالتكْثِيرِ وَضِدِّهِ) وهو القلة، هذا ما يتعلق بذات المسند إليه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015