هذه ((عقود الجمان)) يعتبر القمة في فن البيان، فمن استطاع أن يهضمه مع شرحه للسيوطي رحمه الله تعالى أو المرشدي فحينئذٍ لن يكونَ بليغًا ولم يشم رائحة البلاغة إذا حفظ ((عقود الجمان)) لماذا؟ لأنه قد وقف على المصطلحات لأن البلاغة كما سيأتي مَلَكَةٌ، إذًا هيئة راسخة في النفس يقتدر بها على إنشاء كلام بليغ أو كلام فصيح، حينئذٍ هذه الملكة لا تكون بحفظ المصطلحات وإنما تكون بممارسة هذا الفن، يعني: يكون لصيقًا. لما اختاره، إن اختار القرآن فأنعم وأكرم يقف مع الجمل ويتفقه فيها وما قاله أرباب المعاني من الحذف والإيجاز، وعود الضمير، والتقديم والتأخير، والقصر، والفصل، وعطف الجمل، يقف لم كذا ولم .. إلى آخره، حينئذٍ إذا طَبَّقَ ومارس الفن بهذه الصورة حينئذٍ يكون بليغًا لأنه سينطبع في نفسه ما قد طَبَّقَ عليه حينئذٍ يستطيع أن ينشئ الكلام البليغ، وأما مجرد حفظ هذه المصطلحات فلا يسمن ولا يغني من جوع، وإنما هو عبث وتضيع أوقات كما هو الشأن في علم النحو، لو حفظ ألفية ابن مالك ولم يحسن الإعراب هل هو نحوي؟
ما شم رائحة النحو، ولذلك العلم يجمع بين أمرين: بين العلم الذي هو الحفظ والفهم، وأما الفهم دون الحفظ كما نقرر مرارًا لا علم إلا بحفظ لا بد أن يكون معه شيء من المحفوظ وإن قل، يعني: هو الذي يبقى معه، وأما المفهومات هذه تزول وتذهب، إذًا لا علم إلا بحفظ، وكذلك العكس أما أنه يعتمد على المحفوظات ويحفظ وَيحفظ ثم لا يهتم بممارسة الفنون فهذا يعتبر مُضيعًا لوقته ولو سَبَّحَ وشغل وقته بالطاعات لكان أولى له.
نعم لأن هذا الذي يصدق على أنه نسخة مكررة لو حفظ الزاد ولم يفقه معانيه نسخة مكررة، لو حفظ الألفية ألفية ابن مالك ولم يضبط الإعراب نسخة مكررة، عبث لماذا؟
لأنه لم يكن نحويًا، هو أراد من هذ الفن أن يكون نحويًا بأن يكون ممارسًا لفن النحو، بأن تكون عنده ملكة في الإعراب والتعبير والكلام الصحيح موافق لسَنَنِ وقواعد اللغة العربية، وإذا كان يحفظ ولا يعرب ويحفظ ولا يحسن أن يطبق لا يميز بين الحال والتمييز، ولا يميز بين الفاعل والمفعول، وَالمفعول المطلق .. إلى آخره وأنواعه نقول: هذا يعتبر عبثًا.
إذًا نقول: الأصل في تَعَلُّم والسُّلَّم في تَعَلُّم فن البلاغة لأن هذا الفن الآن في خبر كان يعني: غير موجود، علوم اللغة في الجملة غير موجودة، وعلوم الآلة في الجملة غير موجودة، وإن وجد نسخ من علم النحو وهذا على جهة القلة في بعض البقاع دون بعض، والآجرومية ولا يتجاوزوها إلا أن يشاء الله.
وأما علم الصرف والبيان فهذا في خبر كان يعني ذهب أهله، وذهب أصحابه، وذهب من يَتَعَلَّمَهُ ويُعَلِّمَهُ، لأن الطلاب عندهم موازنة يعني يأخذون العلوم ما اشتهوا، مثل الطعام الذي يكون مفروشًا على السفرة يريد أن يتخير من العلوم ما يحبه هو، ويألفه الطبع عنده، وما يسهل عليه، وما صَعُبَ عليه هذا تركه، يعني: مثل الذي يقول: هذا لا أطعمه وهذا أحبه، هذا أشتهيه من المأكولات وهذا لا ليس الأمر إليه.