قال الموفق رحمه الله: [ويجب الإيمان بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم، وصح به النقل عنه فيما شاهدناه، أو غاب عنا، نعلم أنه حق وصدق، وسواء في ذلك ما عقلناه وجهلناه، ولم نطلع على حقيقة معناه].
كلام المصنف هنا يتعلق بما يسمى عند المتأخرين بالسمعيات، فإنهم إذا ذكروا مسائل اليوم الآخر وما يتعلق بالمغيبات سموا هذا القسم بالمسائل السمعية، وهذه التسمية مستعملة في كلام متكلمة أهل الإثبات، والصفاتية المنتسبين للسنة كالأشاعرة وأمثالهم، وهذه التسمية مستعملة أيضاً في كلام بعض أهل السنة المتأخرين، وأما المتقدمين من السلف فإنهم لم يخصوا هذا الباب بهذه التسمية، فإن هذه التسمية أحسن ما يقال فيها: إنها مما يتوسع في شأنه إذا بيّن المراد به على وجه صحيح، وإلا فإن هذه التسمية ليست مقصودةً لذاتها، ولا ينبغي القصد إليها، لأن القصد إليها ليس من التحقيق لذكر أصول السلف أو فصولهم في مسائل أصول الدين، بل التحقيق لمذهب السلف إنما يكون بذكر حقائق أقوالهم، المقولة في كلام الله ورسوله صلى الله عليه وسلم وما أجمعوا عليه، وإن لم ينطق بمثل هذه التقاسيم التي قد تتضمن مفهوماً، وإن لم يكن مراداً إلا أنه قد يكون مشكلاً على كثير من الخاصة والعامة.
وهي تشابه تلك التقاسيم المقولة في باب الأسماء والصفات، فإنك تجد في كلام المتأخرين أن الصفات تنقسم إلى: ذاتية وفعلية، أو إلى صفات اختيارية وخبرية
وما إلى ذلك.
إذاً: تسمية ما يتعلق بالمغيبات واليوم الآخر وأمثال ذلك بالسمعيات هي تسمية متأخرة، وهذا أحسن ما يقال فيها، وإلا فجميع أصول الدين معلومة بالسمع: (الكتاب والسنة).
وإذا قيل: إن جملة الأصول يُعلم قدرها الكلي وبعض مقاماتها التفصيلية بالعقل، وأن هذا باب خبري محض فهذا ليس على اطراده، فإن دلائل العقل قد تذكر فيما هو من هذا المقام، فإن الله سبحانه وتعالى لما ذكر البعث ذكر له دليلاً من العقل، بمثل قول الله تعالى: {وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِ الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ} [يس:78 - 79].
فتخصيص هذا الباب بهذا الاسم فيه قدر من التحكم.