المقصود بإقامة الحجة على الخلق

قال الموفق رحمه الله: [بل يجب أن نؤمن ونعلم أن لله علينا الحجة بإنزال الكتب وبعثة الرسل، قال الله تعالى: {لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]].

الحجة قامت بالرسل والقرآن، وفي كتاب الله تقرير كثير في كون الحجة إنما تكون بالرسل عليهم الصلاة والسلام، ولهذا من لم يدرك رسالة ولا نبوة، وانطمست عليه المعالم؛ فهذا يفوض أمره إلى الله، كأهل الفترة الذين ماتوا قبل بعثة النبي صلى الله عليه وسلم ولم يدركوا توحيداً صريحاً ولا شريعة صحيحة، ولا يقال: إنهم في الجنة أو النار، بل يقال: إن مردهم إلى الله تعالى، ولا يشكل على ذلك ما ثبت في الصحيح أن رجلاً قال: (يا رسول الله! أين أبي؟ قال: في النار، فلما ولى قال: إن أبي وأباك في النار)، فهذا الحديث فيه أن أباه عليه الصلاة والسلام في النار، مع أنه توفي في الفترة، فهل هذا يدل على أن سائر من كان حاله كحال أبي النبي ومن كان في الفترة يكون في النار؟

الجواب: لا، هذا قياس فاسد، بل الصواب: أن هذا خبر مختص بأبي الرسول صلى الله عليه وسلم، وأما بقية أهل الفترة فإنه لا يلزم فيهم ذلك، بل أمرهم إلى الله، مع أنهم كانوا في حقيقة حالهم يرتكبون الشرك الأكبر، لكن لا يقال: إنهم في النار؛ لأن الله يقول: {وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً} [الإسراء:15]، ويقول: {لئلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} [النساء:165]، فالرسل لا بد من قيام حجتهم، ولا تقوم الحجة -كما يقرره بعض المتأخرين- بالفطرة السابقة المذكورة في قول الله تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى} [الأعراف:172]، أو بالعقل؛ مع أن الفطرة والعقل يدلان على التوحيد والإيمان، لكن حجة الله لا تقوم على العباد إلا بالرسالة.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015