قال الموفق رحمه الله: [وهذا تشبيه للرؤية بالرؤية، لا للمرئي بالمرئي، فإن الله تعالى لا شبيه له ولا نظير].
هنا طعنت المعتزلة في هذه الأحاديث، فقالوا: إن حديث: (إنكم سترون ربكم) من أحاديث التشبيه؛ لأن فيه: (كما ترون القمر)، (كما ترون الشمس).
وهذا غلط وجهل بمقتضى الكلام، فإن التشبيه هنا ليس تشبيهاً للمرئي بالمرئي، أي: ليس تشبيهاً لله بالقمر أو بالشمس وإنما هو تشبيه لفعل الرائين.
فالحديث ليس فيه تشبيه للمرئي بالمرئي، أي: تشبيه الله بالشمس أو القمر، تعالى الله عن ذلك {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ} [الشورى:11]، وإنما فيه تشبيه للرؤية بالرؤية، والرؤية الأولى التي لله والرؤية الثانية التي للقمر كلاهما من فعل بني آدم، وأفعال بني آدم يجوز التشبيه بينها.
فإذاً ..
هذا تشبيه لفعل الرائين بعضهم ببعض، وليس تشبيهاً للمرئي بالمرئي، وهذا من جهالات المعتزلة ومن وافقهم على هذه المادة في هذا الباب، ولهذا فإن أكبر قضاة المعتزلة في زمانه وهو القاضي عبد الجبار بن أحمد الهمذاني الذي كتب المغني في أصول المعتزلة إملاءً مع سعة علمه بالنظر والعقليات والجدل -وهذا ليس خاصاً به بل هو شأن المعتزلة عامة، فهم من أجهل الناس بالسنن والآثار- وهذا المعتزلي لما أراد الرد على أدلة أهل السنة من الحديث، قال: إنهم يستدلون بحديث رواه جرير بن عبد الله البجلي، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إنكم سترون ربكم)، قال: وهذا حديث تفرد به جرير بن عبد الله، وتفرد به عن جرير ..
ثم ساق الإسناد، وقال: هو حديث آحاد، وفيه مادة من التشبيه.
وهذا كله جهل منه؛ لأن الحديث لم يتفرد به جرير، بل حديث الرؤية في سائر ألفاظه رواه أكثر من ثلاثين رجلاً من الصحابة، ورواية أبي سعيد وأبي هريرة أشهر عند المحدثين من رواية جرير بن عبد الله رضي الله عنهم، فهذه مجموعة من جهالات القاضي عبد الجبار المعتزلي.