مسألة: هل المنافقون والكفار من أهل الأوثان وأهل الكتاب يرون ربهم في موقف القيامة كما يراه المؤمنون أم لا؟
الجواب: أولاً: يقال: هذه المسألة ليست من مسائل الأصول، وأصلها هو مسألة رؤية المؤمنين لربهم في الآخرة.
ثانياً: أي المسألتين أقوى مقاماً عند أهل السنة: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه جل وعلا أو رؤية الكفار؟
قيل: رؤية النبي صلى الله عليه وسلم لربه أقوى؛ لأن الصحابة فمن بعدهم لهم فيها قول معروف، وهو أن النبي صلى الله عليه وسلم لم ير ربه، وهذا مما دل عليه ظاهر القرآن والسنة الصحيحة، وأما رؤية الكفار لربهم فإن شيخ الإسلام قال: "إن الصحابة لم يحفظ عنهم قول معروف فيها، وإنما تكلم فيها الناس بعد الصحابة".
وعلى كل حال فلأهل السنة فيها أقوال:
الأول: أن الكفار يرون ربهم، وإن كانت ليست رؤية نعمة وامتنان.
الثاني: أن المنافقين يرون ربهم دون بقية الكفار.
الثالث: أنه يراه المنافقون وغُبرات من أهل الكتاب، كما جاء في بعض الروايات في الصحيح.
الرابع: أن الكفار جميعاً لا يرون ربهم، وهذا هو ظاهر مذهب الأئمة، وهو الذي عليه الجمهور من أصحاب أحمد، وهو ظاهر القرآن في قول الله تعالى: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، والذي يميل إليه شيخ الإسلام ابن تيمية -وإن كانت هذه المسألة من المسائل التي خالف فيها ابن القيم ابن تيمية رحمه الله - وخالفه ابن القيم فذهب إلى أن الكفار يرون ربهم، ويجعل هذا عاماً في سائر الكفار، ويستدل على ذلك بقول الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6]، واستدل ابن القيم على ذلك بقوله: إن اللقاء عند العرب -كما ذكره ثعلب - يفيد الرؤية.
وهذا الاستدلال مما فات ابن القيم، فإن ثعلباً لما أورد هذا الكلام أراد به اللقاء المذكور في قول الله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44]، واللقاء المذكور في هذه الآية ليس هو المذكور في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ} [الانشقاق:6]، فإن اللقاء في الآية الأولى قُرن بذكر التحية والسلام، وأما اللقاء هنا فهو مطلق، والذي حكى ثعلب الإجماع عليه من هو المقرون بالتحية والسلام، وثعلب عندما ذكر كلام أهل اللغة عند قوله تعالى: (تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ)، قال: إن العرب إذا ذكرت اللقاء مع التحية فإنه يفيد البصر والرؤية، وأما اللقاء المطلق فإنه لا يفيد ذلك، وهذا أمر معروف بالعقل والحس أن اللقاء المطلق لا يستلزم أو يتضمن النظر أو الإبصار، فما استدل به ابن القيم ورآه دليلاً قوياً فيه نظر؛ ولذا قال الجمهور من محققي أهل السنة كأمثال شيخ الإسلام -وهو ظاهر مذهب الشافعي وأحمد -: إن الكفار لا يرون ربهم.
وهذا هو الصواب والأظهر في هذه المسألة، وإن كانت بعض روايات الحديث في السنة النبوية قد تشعر بأن الكفار يرون ربهم، ولكنها ورادة في مسألة أخرى.
وأما رؤيته سبحانه وتعالى لغير النبي صلى الله عليه وسلم ليلة المعراج -على الخلاف السابق- فهذا مما أجمع عليه عامة المسلمين بأنها لن تقع لأحد في الدنيا، ولم يدع شيء من ذلك إلا أهل الخرافة الذين يدعون أنه يُرى قبل الموت، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واعلموا أن أحدكم لن يرى ربه حتى يموت).