أدلة القرآن على رؤية الله تعالى في الآخرة

الدليل الأول: من أخص أدلة القرآن التي استدل بها السلف على ثبوت رؤية المؤمنين لربهم وأصرحها قوله تعالى: {وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ} [القيامة:22 - 23].

الدليل الثاني: قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26]، وإن كان لفظ الزيادة لفظاً مجملاً إلا أن النبي صلى الله عليه وسلم فسر الزيادة بالنظر إلى وجهه سبحانه وتعالى.

الدليل الثالث: قوله تعالى عن الكفار: {كَلاَّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ} [المطففين:15]، ومفهوم المخالفة من الآية: أن المؤمنين لا يحجبون عن الله يوم القيامة، كما ذكر ذلك الشافعي ومالك وجملة من السلف.

الدليل الرابع: قوله تعالى: {تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ} [الأحزاب:44]، فإن اللقاء إذا قُرن بالتحية تضمن النظر والرؤية معاً، وقد روى أبو عبد الله ابن بطة عن ثعلب -وهو من أئمة اللغة- الإجماع على أن اللقاء إذا قُرن بالتحية فإنه يستلزم أو يتضمن الرؤية.

الدليل الخامس: قوله تعالى: {لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} [الأنعام:103] فإن المنفي هنا هو الإدراك، والإدراك قدر زائد عن أصل الرؤية، ولا يلزم من الرؤية للشيء الإدراك له والإحاطة به، فإنك تقول -ولله المثل الأعلى-: رأيت السماء، ومع ذلك لم تدركها، وتقول: رأيتُ القادم من بعيد.

وأنت لم تدركه: أهو زيد أم عمرو؟ أرجل أو امرأة؟ فإن من رأى قادماً من بعيد لا يرى إلا شخصه، ولا يميز من هو، أو ما يكون، فإذا قال: رأيت هذا القادم، فإن قوله صحيح، ولكن لا يمكن أن يقول: أدركته.

فلما قال تعالى: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) دل على أنه يُرى ولكن لا يدرك، فإنه لو كان سبحانه وتعالى لا يرى مطلقاً، ولا يراه المؤمنون؛ لما لزم نفي الإدراك، فإن الأصل إذا كان منتفياً فإن ما فوقه يكون منتفياً من باب أولى.

فإذاً: قوله تعالى: (لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ) دليل على ثبوت الرؤية، ووجه ذلك: أنه لما خص القدر الزائد على أصل الرؤية في النفي، دل ذلك على أن ما دونه -أي: ما دون الإدراك وهو أصل الرؤية- يكون ثابتاً وممكناً.

ومما يوضع في الاعتبار: أن في كتاب الله جملة من الدلائل هي محل تردد في الاستدلال بها على الرؤية بين أهل السنة؛ كقوله تعالى: {لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ} [ق:35] وهذه الآية مختلف في صحة الاستدلال بها، فمن استدل بها رأى أن لفظ "مزيد" المراد به: الزيادة المفسرة بالسنة، ومن لم يذهب إلى هذا التفسير قال: يمكن أن يكون المزيد المذكور في هذه الآية ليس هو المراد بالزيادة في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:26].

طور بواسطة نورين ميديا © 2015