قال الموفق رحمه الله: [ومن صفات الله تعالى: أنه متكلم بكلام قديم].
أهل السنة يقولون: إن الله سبحانه وتعالى موصوف بهذه الصفة، وأنه يتكلم بحرف وصوت مسموع، وأن كلامه متعلق بمشيئته وإرادته، فهو يتكلم متى شاء بما شاء كيف شاء، كما يعتقد أهل السنة أن القرآن كلام الله حقيقةً وليس مجازاً.
كما أن دلائل اتصاف الرب سبحانه وتعالى بالكلام متواترة في القرآن.
فإن قيل: كيف يحصلون هذا؟
قيل: لأن كل آية نداء في القرآن يجعلونها دليلاً على إثبات الكلام؛ وذلك لأن المنادي لا بد أن يكون متكلماً، فقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا)، (يَا أَهْلَ الْكِتَابِ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ) هذه الآيات نداء، فيجعلونها من أدلة إثبات الكلام، وكذلك آيات القول: (وَقَالَ رَبُّكُمْ) فإذا أضيف القول إليه سبحانه دل على أنه متكلم، إلى أمثال ذلك.
وقد خالف أهل السنة في هذه العقيدة الأشاعرة فقالوا: إنه معنى قائم بالنفس، ويرد عليهم بقوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف:143].
فدل على أن الله تعالى تكلم بهذا الكلام بعد مجيء موسى لميقات ربه، وموسى حادث بعد أن لم يكن، وهذا الميقات متأخر عن زمنٍ سَلَفَ، إلى أمثال ذلك.
فمع أن كلامه سبحانه أزلي، فهو مع ذلك متعلق بالإرادة والمشيئة.
قوله: [بكلام قديم] هذا مما أخذه بعضهم على المصنف، أنه يقول عن الله: إنه متكلم بكلام قديم.
وهذا مأخذ لفظي، فلو أن المصنف عبر بما هو أجود منه لكان حسناً.
أما أنه يقال: إن كلامه هنا غلط بيِّن، وأنه من كلام أهل البدع ومصطلحاتهم معانيهم وما إلى ذلك، فهذا فيه تكلف، فإنه رحمه الله قال: [متكلم بكلام قديم]، أي: أن كلامه أزلي، وأراد بذلك الرد على بعض أهل البدع الذين يقولون: إن كلامه حادث بعد أن لم يكن، يريدون بذلك تعطيل أو تأويل صفة الكلام.
وكلام الله صفة من صفاته بدلائل الكتاب والسنة، وبدليل العقل.
أما دليل العقل؛ فلأن الله هو الإله المعبود فضلاً عن كونه الرب المدبر للكون يلزم منه أن يكون، متكلماً، ولو لم يكن متكلماً لما صح كونه رباً، ولا صح كونه إلهاً، هذا دليل عقلي.
أما دلائل الكتاب والسنة، فهي أكثر من أن تحصر في هذا المقام، ومنها على سبيل المثال: قول الله تعالى: {وَاتَّخَذَ قَوْمُ مُوسَى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوَارٌ} [الأعراف:148].
فكان الرد عليهم دليلاً شرعياً وعقلياً في نفس الوقت، وهو قوله تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ} [الأعراف:148]، وهذا نقض عقلي لألوهية العجل، فدل على أن الإله الحق لا بد أن يكون متكلماً.
ولهذا فإن دلائل القرآن في الصفات وغيرها بعضها خبري وبعضها عقلي؛ فالخبر المحض كقوله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:5]، وأما الدليل الخبري من جهة كونه قرآناً؛ ولكنه سياق عقلي، كمثل آية العجل، وكمثل قوله تعالى: {ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً} [إبراهيم:24].
فإذا ذكر هذه السياقات فهي أتم الأقيسة يقيناً في العقل، وهي الأمثلة المضروبة في القرآن ..
{ضَرَبَ لَكُمْ مَثَلاً مِنْ أَنْفُسِكُمْ} [الروم:28] إلى غير ذلك.