- هناك مسألة مهمة في صفات الله سبحانه وتعالى: وهي أن صفات الله سبحانه وتعالى تستعمل إثباتاً لله سبحانه وتعالى على وجه سياقها الذي وردت به في النصوص، لا على سبيل الإفراد.
لأن بعض المتأخرين من طلبة العلم الذين يقررون مذهب أهل السنة والجماعة في الصفات درجوا على هذه الطريقة، وهذا ليس خاصاً بهؤلاء، بل درج عليه من الأئمة المتقدمين ابن مندة وغيره، وكذا بعض المتأخرين من أصحاب الأئمة، هؤلاء صار عندهم في تقرير الصفات: الفك لذكر الصفة عن سياقها، إلى قدر من الإفراد، وصاروا يقولون: إن من صفات الله: العلم، والسمع، والبصر، والمكر، والكيد، والغضب، وأمثال ذلك، فيجعلون الصفة منفكة على قدر من الإطلاق.
والصواب: أن الصفة تثبت لله سبحانه وتعالى على وجه سياقها في كلامه أو كلام نبيه صلى الله عليه وسلم، وإذا تأملت آيات الصفات في كلام الله، وفي أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم وجدت أن الصفات تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: صفات مطلقة.
القسم الثاني: وصفات مقيدة.
ولهذا فإن الصفات المطلقة تثبت له سبحانه وتعالى إطلاقاً، وأما الصفات التي لم تذكر في القرآن أو في السنة إلا في سياق التقييد، فإنها لا تستعمل في مقام الإثبات له على الإطلاق، وإنما تستعمل تقييداً، وهذا هو أصل ضبط اللسان العربي؛ فإن لسان العرب من جهة فهم كلامهم، إنما يعتبر بالسياقات، ليس بآحاد الكلمات، ولهذا قال ابن مالك:
كلامنا لفظ مفيد ... ... فلا بد أن يكون مركباً إما من فعل وفاعل، أو مما تحصل به الإفادة.
فمثلاً: أن قوله تعالى: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً * وَأَكِيدُ كَيْداً} [الطارق:15 - 16]، وقوله تعالى:
{وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ} [الأنفال:30]، مثل هذا السياق فيه تقييد؛ لأن الله لم يذكر المكر أو الكيد صفة له على الإطلاق، بل يعرف بالعقل والشرع أن ذكر المكر أو الكيد صفة لمعين على الإطلاق هو ذم وليس مدحاً.
ولله المثل الأعلى، لو قيل عن عالم ما: وكان، حافظاً، ثقةً، مفسراً، فقيهاً، ماكراً، لما تأتى ذلك، ولكان القول بأنه ماكر قدح وليس مدحاً.
فالذي أوجب ذكر هذه القاعدة: أن هذه الصفات، إذا فكت عن سياق التقييد الذي وردت فيه لم تكن مدحاً على التحقيق.
ولهذا يجب أن يلتزم في هذه الصفات بالسياق القرآني، فما ذكره الله مطلقاً أثبت له على الإطلاق كصفة العلم.
ويقال: ومن صفاته: العلم، ومن صفاته: القدرة والرحمة، والعزة، والحكمة ..
إلى غير ذلك.
وأما الصفات التي لم تذكر إلا مقيدة بوجه: كالمكر، والكيد، وأمثال ذلك، فهذا يستعمل على وجه ذكره في القرآن.
ولهذا لا يصح أن يقال: ومن صفاته المكر على الإطلاق؛ لأن الله لم يذكر المكر صفة له إلا مقيدة، والمكر على الإطلاق ليس صفة مدح.