أما حديث العرباض بن سارية الذي أورده المصنف فهو ثابت صحيح أخرجه الإمام أحمد وغيره، وفيه قال: (عليكم بسنتي وسنة الخلفاء) والخلفاء هم الأربعة الراشدون، وإن كان من بعدهم سموا في الإسلام: خلفاء، كخلفاء بني أمية، وخلفاء بني العباس
إلى غير ذلك، وهو مما يسوغ، لكن فرق بين تسمية أبي بكر وعمر وعثمان وعلي خليفة، وبين تسمية من بعدهم، فهؤلاء الأربعة هم خلفاء الرسول صلى الله عليه وسلم في أمته، ومعنى أن أبا بكر خليفة، أي: أنه خليفة عن رسول الله، وكذلك عمر من بعده وعثمان وعلي، فكل واحد من هؤلاء عند خلافته هو خليفة عن رسول الله في الأمة.
وأما من بعدهم فإذا سمي خليفة، فهو مستخلف على المسلمين كراع لهم، أو أمير، أو سلطان، فهذا هو الفرق بين الخلافتين، بين الخلافة النبوية، وهي التي لها سُنة، وبين ما جاء بعدها.
وذهب بعض أهل العلم -كما في بعض كتب السير- وهو قول لبعض أهل العراق: أن عمر بن عبد العزيز رحمه الله يعتبر خليفةً خامساً ..
وهذا غلط، وقد أنكره جملة من الأئمة الكبار: كالإمام أحمد رحمه الله، وغيره، وذلك من جهتين:
الجهة الأولى: أن عمر بن عبد العزيز بويع الخلافة المقصودة بعد زمن بعيد، والإمام أحمد رحمه الله لما بلغه قول بعض أهل العراق: إن عمر بن عبد العزيز هو الخليفة الخامس، تعجب من ذلك! وقال: ألم يقل النبي صلى الله عليه وسلم: (الخلافة بعدي ثلاثون سنة)؟
ومقصوده رحمه الله: أن من جعل عمر بن عبد العزيز خليفةً خامساً فقد زاد عن الثلاثين؛ لأن الثلاثين سنة بقي منها أشهر بعد مقتل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، وهذه الأشهر هي إمارة الحسن، إن كان له إمارة، على خلاف بين أهل العلم.
وعمر بن عبد العزيز صاحب سنة، وأمير عدل، وإمام في العلم والورع
إلخ، لكن لا يجوز أن يسمى خليفة خامساً، بل الخلفاء أربعة، وأما من بعدهم فهم سلاطين وملوك وأمراء.
الجهة الثانية: أن معاوية بن أبي سفيان أفضل من عمر بن عبد العزيز بإجماع السلف؛ لأن معاوية صحابي؛ ولهذا قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: "هو أفضل ملوك الإسلام بالاتفاق".
فـ معاوية ملك وهو أول ملوك الإسلام وأفضلهم، وإن كان يسمى: خليفة، وهو أفضل من عمر بن عبد العزيز بلا شك، مع أن شيخ الإسلام استدرك وقال: "وإن كان بعض مقامات العدل، استقرت في خلافة عمر بن عبد العزيز، أكثر من استقرارها في خلافة معاوية؛ لكن هذا أوجبه حال السلطان إذ ذاك"، بمعنى: أن معاوية أدرك فتناً وحروباً، فكان لزمنه اختصاص، بخلاف عمر بن عبد العزيز فإن الأمور كانت مستقرة له في الجملة.
ولكن الاعتبار بكليات الأمور واجتماعها وليس بجزء من آحادها.