حكم الانتساب إلى المذاهب الفقهية دون تعصب

قال الموفق رحمه الله: [وأما النسبة إلى إمام في فروع الدين كالطوائف الأربع فليس بمذموم].

هذه الجملة من فضائل هذه الرسالة، ولم يكن عند السلف رحمهم الله مثل هذه المعاني، وإن كانت لم تظهر في زمنهم ظهوراً بيناً، الانتساب إلى إمام في الفروع كالطوائف الأربع -أي: كالانتساب إلى الشافعي أو مالك أو أبي حنيفة، وظهر عند بعض فضلاء العلم من المعاصرين أن من السلفية ترك الانتساب للمذهب، وأن من انتسب للمذهب ليس سلفياً في الفقه، هذا فيه قدر من الزيادة؛ لأن هذه المذاهب الأربعة لها قرون في المسلمين، وقد درج عليه العلماء ما بين شافعي وحنفي ومالكي وحنبلي، وفيهم علماء سنة محققون كـ شيخ الإسلام، وأبي عمر بن عبد البر، وابن رجب، وابن كثير، وأمثال هؤلاء، ومع ذلك ما نقل عن هؤلاء الأكابر من المحققين في مذهب السلف أنهم أنكروا الانتساب، وأول من أنكر الانتساب من متأخرة القرن العاشر، بعضهم عن أثر زيدي، أو بعضهم عن أثر ظاهري.

فالقصد: أن هذا الإنكار غير معتبر، أما من انتسب إلى مذهب من المذاهب الأربعة على معنى التعصب للمذهب، أو أنه لا يخرج في فقهه على هذا المذهب، أو يرى أن الحق في هذا المذهب، بل حتى من يرى أن هذا المذهب أفضل من غيره من المذاهب، فلا شك أن هذه المعاني منكرة ليس لها أصل، ومخالفة لهدي السلف.

وأما من انتسب إلى واحد مذهب المذاهب الأربعة من باب الترتيب العلمي، كأن يقول: أنا حنبلي أي: إذا لم يكن في المسألة دليل من الكتاب أو السنة أو الإجماع قدم قول الصحابي على القياس، هذا معنى حنبليته، والآخر يقول: أنا حنفي، إذا لم يكن عنده دليل من الأصول الثلاثة -الكتاب والسنة والإجماع- قدم القياس على قول الصحابي، والمالكي يقدم عمل أهل المدينة، والشافعي لا يرى عمل أهل المدينة.

من تبنى التمذهب على الترتيب العلمي فهذا لا بأس به.

وأما من تعصب لمذهب من المذاهب الأربعة فهذا مخالف لهدي السلف، سواء تعصب لمذهب من المذاهب الأربعة أو حتى تعصب لرجل من الرجال ولو كان إماماً من الأئمة، وهذا يقع: أنهم ينهون عن الانتساب للمذاهب الأربعة وينتسب من ينتسب لـ ابن حزم أو للشوكاني أو لفلان وفلان ..

فما الفرق بين الانتسابين؟!

إن قيل: هؤلاء لا يتعصبون.

قيل: وهل تقول: إن سائر المالكية أو سار الحنابلة متعصبون؟ كلا، ابن تيمية رحمه الله خرج عن المذهب خروجات، وكذا ابن عبد البر

إلخ.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015