قال الموفق رحمه الله: [ومن ولي الخلافة، واجتمع عليه الناس، ورضوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة فسمي أمير المؤمنين وجبت طاعته، وحرمت مخالفته والخروج عليه، وشق عصا المسلمين].
هذه قاعدة من القواعد الشرعية الصحيحة: أن ثبوت الملك يكون إما بالشورى وإما بالغلبة، فمن غلب واستقر ملكه وأظهر الإسلام بعد غلبته واستقراره فإن طاعته تكون واجبة ويكون ولياً شرعياً، ولا يلزم في ذلك أن يكون جميع الأمر على مبدأ الشورى أو ما إلى ذلك، فإن من ظهر صح ظهوره وصحت طاعته.
والدليل على ذلك: إجماع العلماء على صحة إمارة بني العباس وأمثالهم، فإنهم أخذوها بالسيف ولم يأخذوها بالشورى، فظهروا على دولة بني أمية حتى غلبوهم، ومع ذلك لما ظهرت غلبتهم واستقر أمرهم، وذهب ملك بني أمية اعتبر الأئمة رحمهم الله أن بني العباس هم الملوك والسلاطين.
ومن يطلب فإنه قد يحصل منه التعدي أو سفك الدماء، فهذا مقام يختص به ويحاسبه الله عليه، لكن طاعته تكون شرعيةً واجبة، ولا يقال: إنه خرج أو انشق؛ فإن بني العباس إنما انشقوا على دولة بني أمية، ولم يقل العلماء والأئمة: إنهم خرجوا على دولة بني أمية، فإن الحاكم إذا غلب بالسيف واستقر أمره وأظهر الإسلام صار ملكاً شرعياً تجب طاعته، ويكون من مضى على أمرٍ قد سلف.