قال الموفق رحمه الله: [وقال صلى الله عليه وسلم: (الخلافة من بعدي ثلاثون سنة) فكان آخرها خلافة علي].
بقي في هذه الثلاثين بضعة أشهر فقال بعض أهل العلم: إنها في إمارة الحسن بعد أبيه.
والصواب أن هذا ليس بلازم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم حين قال: (ثلاثون سنة) لا يلزم من ذلك -في استعمال كلام العرب- أن تكون على التمام بسائر أيامها، وإنما هذا مثل ما حلف النبي عليه الصلاة والسلام أن لا يدخل على بعض أهله شهراً، قالت أم سلمة -كما في الصحيح-: (فلما مضى تسع وعشرون يوماً غدا عليهم أو راح، فقيل له: يا رسول الله! قال: إن الشهر يكون تسعةً وعشرين) مع أنه لم ير الهلال، إنما حلف شهراً في عرض شهرين، فلما أمضى ما بين الشهرين تسعاً وعشرين غدا عليهم أو راح، فهذا أمر مما تسوغه اللغة.
ولهذا تعلم أن قوله: (الخلافة من بعدي ثلاثون سنة) لا يصح أن يقال: إن عمر بن عبد العزيز خليفة خامس، بل هذا من كلام بعض أهل العلم من العراقيين، وقد أنكره كبار المحققين كالإمام أحمد وأمثاله، وهو مخالف لحديث سفينة وهو حديث احتج به أحمد وغيره من أئمة السنة على معنى صحته.
المقصود: أن عمر بن عبد العزيز خليفة عادل على هدي الخلفاء، لكن القول: إنه خليفة خامس ليس بذاك، إنما خلفاء الرسول في الأمة هم هؤلاء الأربعة فقط، وإن بقي شيء من هذه الخلافة النبوية فهي إمارة الحسن بن علي بن أبي طالب، ومعاوية أفضل من عمر بن عبد العزيز، وأتم علماً وهدىً وتقوىً
إلخ، وإن كانت من جهة مسيرة الرعية حصلت في زمن عمر بن عبد العزيز من العدل والاستقرار أكثر مما حصلت في زمن معاوية، وهذا ليس سببه معاوية، إنما سببه الأحوال التي كانت مقارنة، فـ عمر بن عبد العزيز جاء والملك مستتب مستقر
إلخ، فكان العدل فيه يسيراً وسهلاً، بخلاف معاوية فإنه جاء لقوم بينهم تنازع، وقد نازعه أكابر القوم كـ ابن الزبير، وعبد الله بن عمر -وإن كان مستتراً بالمنازعة- والحسين بن علي جاهر بها
إلى غير ذلك، فضلاً عن المنازعة السالفة عليه من علي بن أبي طالب وكبار الصحابة، ففرق بين الحالين، ولو كان أحد أولى بالخلافة الخامسة لكان أولى بها معاوية.
ومن يقول: إن عمر بن عبد العزيز أعلم ..
فقد غلط أيضاً، فإن معاوية أفقه وأعلم من عمر بن عبد العزيز، ولا إشكال في هذا.