قال الموفق رحمه الله: [أمته خير الأمم، وأصحابه خير أصحاب الأنبياء عليهم الصلاة والسلام].
هذا الفصل فيه ذكر لمقام النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأمته، وقد سبق شيء من ذلك وهو في قوله في هذا المقام [أمته خير الأمم] وهذا مجمع عليه، وهو صريح في كتاب الله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} [آل عمران:110] ولكن هذا لا يستلزم أن يكون أعيان هذه الأمة خيراً من أعيان غيرهم، فإن هذا التفضيل إنما هو باعتبار الجنس ولا باعتبار الواحد من الأعيان، فإن في أعيان أتباع الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من هو خير من أتباع محمد صلى الله عليه وسلم.
فأمته باعتبار جنسها ومجموعها هي خير الأمم وأشرفها وأزكاها على الله تعالى، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم من خصائصها وفضائلها: (أنهم يوافون نصف أهل الجنة) كما ثبت ذلك في الصحيحين في حديث أبي سعيد، وجاء من حديث عبد الله بن مسعود (أترضون أن تكونوا ربع أهل الجنة؟ قال: فحمدنا الله وكبرنا، قال: أترضون أن تكونوا ثلث أهل الجنة؟ قال: فحمدنا الله وكبرنا.
قال: والذي نفسي بيده: إني لأرجو أن تكونوا نصف أهل الجنة) وفي رواية: (شطر أهل الجنة)، فلا شك أنهم أقرب الأمم إلى ربهم.
ومن فضائلهم: أنهم أكثر الأمم دخولاً الجنة، وهم يوافون نصف أهل الجنة، وقد جاء في حديث في السنن أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً، توافي هذه الأمة ثمانون منها) فهل هذا يدل على أن النبي صلى الله عليه وسلم هنا ذكر أنهم ثلثا أهل الجنة أم أن هذا على معنى أنهم نصف أهل الجنة؟!
من أهل العلم من قال: إن في هذا الحديث الذي رواه أهل السنن زيادة، فإن قوله: (أهل الجنة مائة وعشرون)، وهذه الأمة (ثمانون) فدل على أنهم على قدر الثلثين، وحقيقةً هذا ليس بلازم؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم إنما ذكر الصفوف، وهذا الفرض (الثلثان) مبني على تساوي الصفوف في العدد، وهذا الله أعلم به.
إذاً: نقف حيث وقف النص، فيقال: إنهم نصف أهل الجنة، وأن أهل الجنة مائة وعشرون صفاً ولهذه الأمة ثمانون منها، هل هذا زيادة أو ليس بزيادة؟ هذا أمره إلى الله.