قال الموفق رحمه الله: [ولسائر الأنبياء والمؤمنين والملائكة شفاعات، قال تعالى: {وَلا يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنْ ارْتَضَى وَهُمْ مِنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} [الأنبياء:28] ولا تنفع الكافر شفاعة الشافعين].
قوله: (والمؤمنين) ليس المراد أن جملة أعيان المؤمنين يشفعون، فإن هذا ليس بلازم، وإنما من يقضي الله له سبحانه وتعالى بمقام من الشفاعة بشرط إذن الله للشافع ورضاه عن المشفوع له.
وقد استدل الخوارج والمعتزلة على نفي الشفاعة بقوله: {إِلاَّ مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} [النجم:26]، حيث قالوا: وهذا دليل على أنها لا تكون لأهل الكبائر، بل تكون لأهل الثواب في رفع الدرجات ونحو ذلك؛ لأن شرطها أن يأذن الله ويرضى، الإذن للشافع والرضا عن المشفوع له.
قالوا: وصاحب الكبيرة ليس مرضياً عند الله لكبيرته، وإنما المرضي عنده صاحب الثواب؛ فهذا هو الذي يشفع له في رفع درجاته، فإن الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه الأبرار الصالحون الذين ذكرهم في مثل قوله: {لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنْ الْمُؤْمِنِينَ} [الفتح:18] ..
{وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [التوبة:100]، فالفجار والفساق وأهل الكبائر ليسوا ممن رضي الله عنهم!
ويجاب على ذلك بأن يقال: إن الأسماء والأوصاف والإضافات في كتاب الله بحسب مواردها، فالرضا هنا يراد به عن أصل التوحيد، فإن صاحب الكبيرة هل يقال: إن الله لم يرض عنه مطلقاً، أم أن الله رضي عنه توحيده وإسلامه الأصل؟
فبقدر ما يقال: إنه ممن غضب الله عليه إلا أن له حالة من الرضا، فإذا كانت كبيرته موجبة لغضب الله فإن حسنته موجبة لرضاه، فمن قال: إنه قد غضب عليه بالكبيرة، قيل: فلم لم يرض عنه بالطاعة؟
لماذا رضي الله عن الصحابة؟
لأنهم أصحاب حسنات.
ولماذا غضب على الكفار؟
لأنهم أصحاب سيئات محضة.
فإذا اجتمعت حسنة وسيئة فمن قال: إنه يستحق الغضب قيل: أليس بأولى أن يستحق الرضا؟ فإن موجب الغضب هو السيئة، وموجب الرضا هو الحسنة، وصاحب الكبيرة كما أن له سيئة إلا أن له حسنة أعظم من سيئته.
إذاً ..
قوله: (ويرضى) إبانة لامتناع الشفاعة في حق الكفار، وهو معنى قوله تعالى: {فَمَا تَنْفَعُهُمْ شَفَاعَةُ الشَّافِعِينَ} [المدثر:48].