الشفاعة لأهل الكبائر

وله صلى الله عليه وسلم شفاعات كشفاعته في أهل الكبائر وهي على وجهين:

الوجه الأول: شفاعته فيمن دخل النار من أهل الكبائر أن يُعجَّل خروجه منها، وهذا أفصح من أن تقول: أن يخرج منها؛ لأن معنى ذلك أن الشفاعة لو لم تدركه لبقي، وهذا غير صحيح، فإن جميع من يخرج من النار لا يخرجون بشفاعة الأنبياء وإنما يخرجون من النار بوعد الله سبحانه وتعالى، وأنه لا يُخلَّد في النار إلا من كفر به.

فإذا قيل: إن صاحب الكبيرة ليس مخلداً في النار، فما معنى الشفاعة له؟

قيل: معناها أن يعجل خروجه منها قبل استتمام عذابه الذي قضاه الله وعيداً عليه، فهذا هو معنى الشفاعة من النبي صلى الله عليه وسلم، وليس معناه: أن الشفاعة لو لم تدركه لبقي مخلداً في النار، فإنه لا يخلد في النار إلا الكفار.

وهذه الشفاعة ثابتة بحديث متواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، كما في حديث أبي سعيد الخدري وغيره عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (أما أهل النار الذين هم أهلها فإنهم لا يموتون فيها ولا يحيون، ولكن ناس منكم أصابتهم النار بذنوبهم أو بخطاياهم فأماتهم الله إماتة، حتى إذا كانوا فحماً أذن بالشفاعة، فجيء بهم ضبائر ضبائر فبثوا على أنهار الجنة ...) إلى آخره.

فهذه الأحاديث واردة من حديث أبي سعيد الخدري وعبد الله بن مسعود وأبي هريرة في الصحيحين وغيرهما تدل دلالة صريحة على ثبوت الشفاعة، وخروج أهل الكبائر من النار، وفيها تصريح بدخول طائفة وخروجها، هذا وجه في شفاعته منصوص عليه في صريح السنة.

الوجه الثاني: شفاعته فيمن استوجب النار من أهل الكبائر أن لا يدخلها، وهذا يدل عليه عموم أحاديث الشفاعة، كقوله عليه الصلاة والسلام في حديث أبي هريرة في الصحيح: (أسعد الناس بشفاعتي من قال: لا إله إلا الله خالصاً من قلبه) وفي حديث يرويه سبعة عن النبي صلى الله عليه وسلم: (شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي) وإن كان هذا الحديث فيه كلام، لكن من أهل العلم من اعتبره.

والشاهد من هذا أن عموم شفاعته لأهل الكبائر تدل على أنه يشفع فيمن استوجب دخول النار أن لا يدخلها، وإذا كان النبي عليه الصلاة والسلام شفع فيمن دخل النار فلا شك أن من لم يدخل النار أقرب إلى هديه وسنته ممن دخلها، فإن الله لا يظلم مثقال ذرة، ولا شك أنهم أقرب إلى العفو والرحمة ممن دخل النار، وعليه فإن هذه الشفاعة ثابتة وداخلة في كلام السلف، وما ذكره بعض أهل العلم كالإمام ابن القيم رحمه الله عندما قال: "وهذا النوع من الشفاعة ليس فيه صريح

إلى آخره"، فهذا ليس على إطلاقه، بل هذه الشفاعة ثابتة بإجماع أهل السنة والجماعة، فإن السلف إذا ذكروا الشفاعة لأهل الكبائر أرادوا بها هذا وهذا، وإن كان النوع الأول جاء تفصيله في النصوص أكثر.

وهذا النوع من الشفاعة أنكره الخوارج والمعتزلة بناءً على أصلهم الفاسد: أن مرتكب الكبيرة مخلد في النار، وأقر بها جمهور المسلمين، وهي إجماع عند أهل السنة والجماعة.

وإذا قيل: هل جاء ذكرها في كلام الله؟

الجواب: جاء ذكرها في القرآن مجملاً، فذكر الشفاعة التي يأذن الله بها لمن يشاء ويرضى.

وهذه الشفاعة ليست خاصة برسول الله صلى الله عليه وسلم، بل تكون له ولغيره من الأنبياء والمرسلين ومن شاء الله من الصديقين والصالحين، ولكن قيل: كل شفاعة ليست خاصة فإن حظه صلى الله عليه وسلم ومقامه فيها أتم من مقام غيره، ومقامه في هذه الشفاعة أتم من مقام سائر الأنبياء فضلاً عمن دونهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015