قال الموفق رحمه الله: [وعذاب القبر ونعيمه حق].
عذاب القبر ونعيمه حق بإجماع أهل السنة وبصريح الكتاب والسنة، وهو على الجسد والروح، ومن قال: إن العذاب يكون على الروح فقط، وأن الجسد بعد الموت لا يمسه شيء من العذاب؛ فهذا من أقوال أهل البدع، وأصله من أقوال المعتزلة، وإن زعمه بعض أصحاب الأئمة قولاً لطائفة من أهل السنة فهذا غلط عليهم، بل الصواب المجمع عليه بين الصحابة والتابعين والأئمة: أن عذاب القبر ونعيمه على الروح والجسد، وإن كان ماهية الاتصال للروح بالجسد بعد الموت ليست كماهية اتصال الروح بالجسد قبل الموت.
فإذا قال قائل: وكيف تتصل الروح بالجسد بعد الموت؟
قيل له: وهل أنت أدركت كيف تتصل الروح بالجسد قبل الموت؟ الذي يدركه الناس أن الروح موجودة وأنها محركة للجسد، هذا علم ضروري حسي، أما ماهية هذه الروح وكيف تتصل، وكيف تفارق
إلخ فكما قال الله تعالى: {قُلْ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً} [الإسراء:85].
وفوق ذلك: الآيات المشاهدة في يقظة الإنسان وفي منامه تدل على صدق الآيات الغيبية مما قضى به الله سبحانه وتعالى مما يكون في القبر من النعيم والعذاب على الروح والجسد.
قال الموفق رحمه الله: [وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم منه، وأمر به في كل صلاة].
قوله: (وأمره به في كل صلاة) أي: أمر بالاستعاذة من عذاب القبر، وهل ذلك على سبيل الوجوب أم على سبيل الاستحباب؟
الجمهور على أنه مستحب، وهو الصحيح، وهناك رواية عن الإمام أحمد وهي المرجحة عند متأخري أصحابه أن ذلك على الوجوب.
قال الموفق رحمه الله: [وفتنة القبر حق].
فتنة القبر هي ابتلاء الإنسان في قبره بالسؤال، يسأل عن ربه، وعن دينه، وعن نبيه صلى الله عليه وسلم، فالمؤمن يجيب جواباً حقاً، والمنافق والكافر يتعذر عليه الجواب.
قال الموفق رحمه الله: [وسؤال منكر ونكير حق].
هذان هما الملكان، وقد سميا في حديث جاء في المسند وغيره بهذا الاسم، وقد ذكر الإمام أحمد ذلك واحتج به.
وأما لماذا سموا بذلك.
فلأن يقال: هذا مبني على ثبوت النص بذلك، فإن بعض أهل العلم لا يصحح هذه التسمية بثبوتها إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وإن كان ثبوت أمر الملكين ثبوت بين صريح، لكن هل يسمى منكر ونكير؟ هذه مسألة أخرى.
وإذا كان كذلك؛ فلِمَ سموا بذلك؟ يقال: الله أعلم بذلك.
ويمكن أن يقال: إن هذا من باب ما يقع في مقامهما من الشدة والفتنة وما إلى ذلك.