الإيمان بخروج يأجوج ومأجوج

قال الموفق رحمه الله: [وخروج يأجوج ومأجوج].

قيل: إنهم ليسوا من بني آدم، وهذا قول ضعيف، والذي عليه الجمهور أنهم من بني آدم، وهم من أمم الكفر كثيرو النسل، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام كما في الصحيحين عن أبي سعيد: (يقول الله: يا آدم! أخرج بعث النار.

قال: وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعون إلى النار وواحد إلى الجنة، فاشتد ذلك على أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقالوا: أينا ذلك الرجل؟! قال: أبشروا فإن من يأجوج ومأجوج ألفاً ومنكم رجل).

وقد اشتغل بعض المتأخرين في تعيينهم، فبعضهم ذكر أنهم أهل الصين، وهذا من التكلف، فليس المقصود أن يعينوا بمقام أو بزمان معين، إنما الذي ينبغي أن يعرف أنهم قوم من بني آدم من الكفار، وهم موجودون، والدليل على وجودهم ما ثبت في الصحيحين وغيرهما من قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه، وأشار إلى السبابة وحلقها).

لكن إذا قيل: هؤلاء قوم كثر فأين هم الآن؟

قيل: لا يلزم أنهم قبل ميعاد خروجهم على هذا الحد من الكثرة، فإن خروجهم في آخر الزمان، ولربما أنه في آخر الزمان يهلك كثير من الناس ويكثر هؤلاء القوم ويكثر نسلهم، ثم يكون خروجهم.

وإذا قال قائل: نحن الآن في آخر الزمان وليسوا هم الأكثر، إلا إذا فسرناهم بأجناس الكفار من النصارى في أوروبا وأمريكا، كما ذهب إلى ذلك بعض المعاصرين؛ فهذا أيضاً ليس بصحيح، وأقل ما يقال فيه: إنه قول بلا علم، فإن هؤلاء الكفار من النصارى واليهود لا يظهر من النصوص أنهم هم الذين يرادون بذلك.

وإذا قيل: هم في آخر الزمان، فأين هم وأين كثرتهم؟

قيل: وما يدريك أنك في آخر الزمان الذي معناه أنك بين يدي سنوات على قيام الساعة أو على خروجهم، أما إذا أريد بآخر الزمان، أن هذا الأمة في آخر الزمان فنبيها يقول: (بعثت أنا والساعة نستبق) فالنبي عليه الصلاة والسلام كان في آخر الزمان، أي في أيام الله التي قضاها لعباده في هذه الأرض قبل اليوم الآخر الذي يجمع فيه الناس.

ولذلك لا يصح أن يقال: إن الفتن بين أيدينا، وانتظروا خروج الدجال، وانتظروا خروج يأجوج ومأجوج ..

وليس المقصود أن نقول: إنها بعيدة، وإنما المقصود أن يقال: الله أعلم، ولا يجوز أن يظن أن الأمور بين يديه، كما لا يجوز أن يظن عكسه، إنما الذي يجب أن يقال: الله أعلم.

وقد يقع هذا حتى من بعض أهل العلم، ففي القرن التاسع قال بعضهم: إن بين يديهم المهدي، وظنوا أن المهدي هو الذي يختم القرن العاشر، وأن الأمة لن تتجاوز القرن العاشر، ثم سلفت الأمة بعدهم ما يقارب الخمسة قرون.

وأحياناً يصنف بعضهم كتاباً في مثل هذه المسألة الغيبية، مثل من يستدل بحديث ابن عمر الثابت في البخاري وغيره لما قال النبي صلى الله عليه وسلم: (أوتي أهل التوراة التوراة، فعملوا إلى نصف النهار، ثم أوتي أهل الإنجيل الإنجيل، فعملوا إلى صلاة العصر، ثم أوتينا القرآن إلى غروب الشمس) فبدءوا يقارنون: كم مدة اليهود، وكم مدة النصارى، وكم ما بين العصر وغروب الشمس؟ فتحصل من هذا أن هذه الأمة بقي عليها كذا من السنوات

هذا كله من السفسطة والجهل والتعدي على أحكام الله، والساعة لا يعلم موعدها إلا الله سبحانه وتعالى.

إذاً ..

هذه الأمور لا ينبغي أن يتقدم فيها بين يدي الله ورسوله ..

هذه جهة.

الجهة الثانية: ما الفائدة من هذه الفروضات؟ فمن يسأل عن المهدي: ما الذي هل سيأتي بجديد؟

هذه المسائل ليس عند الناس إلا قال الله، وقال رسوله صلى الله عليه وسلم، وهذا الكتاب محفوظ بحفظ الله له، وكذلك سنة النبي صلى الله عليه وسلم من جهة أصلها لا بد أنها محفوظة.

فإذاً: الناس ليسوا محتاجين إلى أن ينتظروا أحداً قادماً، وهذه الأمة لم يرد لها الله ولا حتى غيرها من الأمم أنها تنتظر موعوداً، بل انتظار الموعود من البدع التي أدخلت على المسلمين عند بعض طوائفهم، فجاءوا ببدعة الانتظار لبعض أوليائهم وأئمتهم.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015