-مع ذلك- من معرفة معناها، والتحقُّق بمقتضاها، ولذا لَمَّا قال للفرزدق: ما أعددتَ لهذا اليوم؟ أجابه الفرزدق بقوله: شهادةَ «أن لا إله إلا الله» منذ سبعين سنة، فقال له الحسن: نَعَم، -وفي بعضِ النُّسَخ: نِعْمَ العُدَّة-، وهذا صحيحٌ، فإن شهادة أن «لا إله إلا الله» هي الأصل، وهي نِعمَ العُدَّة، ولكن لا بد -مع ذلك- من الحذر من معاصي الله، ولذا قال له الحسن محذِّراً: (إياكَ وقَذْفَ المحصَنَة) (?)، وذلك ليبَيِّن له أن هذا لا يُسَوِّغُ له الجرأة على المعاصي وانتهاك الحُرُمات.
وكذلك قوله -رحمه الله- له: (هذا العمودُ، فأين الطُّنُبُ؟)، وهذا من باب التمثيل، ومثله أيضاً قول وهب بن مُنَبِّه في شأن المفتاح كما سيأتي.
فالفسطاطُ أو الخيمةُ لا تقوم إلا بالعمود مع الطُّنُبُ، فإذا سقط العمود لم تُفِد الطُّنُبُ شيئاً, وإن وُجِدَ العمود ولم توجد الطُّنُبُ لم ينفع العمودُ، فالخيمة يتوقف الانتفاع بها على العمودِ وعلى الطُّنُبِ معاً، فباجتماعهما يحصل الانتفاع والاستظلال.
وهكذا الأثر الذي نقله المؤلِّف -رحمه الله- عن وهب بن مُنَبِّه، وهو كلامٌ جَيِّد أيضاً، فإنه لما قيل له: أليس «لا إله إلا الله» مفتاح الجنة؟، قال: بلى، ولكن ما من مفتاحٍ إلا وله أسنانٌ، فإن جئتَ بمفتاحٍ له أسنان فُتِحَ لك, وإلا لم يُفتَح لك (?).
فالشيء الذي هو سَبَبٌ، لا يتحقق مقتضاه إلا بوجود الشروط وانتفاء الموانع، وهذا الجواب من وهب بن مُنَبِّه جوابٌ محكمٌ، ينتفع به الباحث في