فيها «لا إله إلا الله» فَرَجَحَت بتسعةٍ وتسعينَ سِجِلاً، ومعلومٌ أنَّه ليس المراد مجرَّدُ التلَفُّظ بها، بل إنَّما يكون لها هذا الثِّقَل بحَسَب ما في قَلبِ قَائِلِها من كمالِ الصِّدقِ والإِخلاص.
وقد استشهد المؤلِّف لفضلها بثقلها في الميزان بحديثَي عبد الله بن عمرو رضي الله عنه في خبر نوحٍ عليه السلام مع ابنِه، وفي خبرِ موسى عليه السلام مع ربِّه، أما الأول فمختلَفٌ في تصحيحِه ولا ذِكْرَ للوزن فيه، وأما الثاني فالمعروف أنه من رواية أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، ولا يُعرَفُ من رواية عبد الله بن عمرو فليُنَتَبَّه لذلك، وحديث أبي سعيد في خبر موسى عليه السلام أورده الشيخُ محمَّدُ بنُ عبد الوهاب في «كتابه التوحيد» (باب فضل التوحيد وما يكفره من الذنوب).
وأما حديث عبد الله بن عمرو في قصة صاحب البطاقة فهو أنسَبُها للاستشهاد به في فضل «لا إله إلا الله» وأنَّه لا يعدلها شيءٌ في الوَزن.
ومعلومٌ أنَّ هذا الفضل ليس لمجرَّدِ التلَفُّظ بها، بل إنَّما يكون لها هذا الثِّقَل بحَسَب ما في قَلبِ قَائِلِها من كمالِ الصِّدقِ والإِخلاص.
فالكلام في هذا من جهتين:
الأولى: من جهة معناها ومدلولها، فإن هذا الكلمة «لا إله إلا الله» تدل على أعظم المعاني وأجَلِّها، فهي تدلُّ على أنَّ الله العظيم الموصوف بكل كمال، المنَزَّه عن كل نقص، أنَّه هو الإله الحق الذي لا يستحق العبادة سواه، وأنه سبحانه ربُّ كلِّ شيءٍ ومليكُه، فهو العظيمُ الذي لا أعظمَ منه، وهو الكبيرُ المتَعَالِ، وهو الموصوفُ بكلِّ كمالٍ، فبهذا الاعتبار وهذا المعنى ترجُح هذه الكلمة العظيمة «لا إله إلا الله» بكلِّ شيءٍ، فهذا المعنى العظيم الذي تدل عليه هذه الكلمة يرجُح بالسموات والأرض، فإنَّ السموات والأرض ومَن فيهِنَّ ليست بشيءٍ في جنبِ هذا المعنى العظيم الذي تدل عليه هذه الكلمة.
والثانية: من حيث إنها عملٌ وقولٌ يقولُه العباد، فإنَّ وَزْنَهَا بهذا الاعتبار يَختَلِف، فيقولُها المنافقُ ولا يكون لها وزنٌ، ويقولها سائرُ الموحِّدين الصادقين فيكون لها وزنٌ، لكن مع التفاوت العظيم في ذلك؛ فهي من الأنبياء والمرسلين والكُمَّل من المؤمنين غير وزنها وثِقَلِها ممن دونهم.