Wإِخوَانِي: إِذَا فَهِمتُم هَذَا المَعنَى فَهِمتُم مَعنَى قَولِهِ صلى الله عليه وسلم: «مَن شَهِدَ أَن لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ صِدقاً مِن قَلبِهِ حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَى النَّارِ».
فَأَمَّا مَن دَخَلَ النَّارَ مِن أَهلِ [هذه] الكَلِمَةِ فَلِقِلَّةِ صِدقِهِ فِي قَولِهَا، فَإِنَّ هَذِهِ الكَلِمَةَ إِذَا صَدَقَت طَهَّرَت القَلبَ مِن كُلِّ مَا سِوَى اللَّهِ، وَمَتَى بَقِيَ فِي القَلبِ أَثَرٌ لِسِوَى اللَّهِ فَمِن قِلَّةِ الصِّدقِ فِي قَولِهَا.
مَن صَدَقَ فِي قَولِهِ «لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ» لَم يُحِبَّ سِوَاهُ، لَم يَرْجُ إِلاَّ إِيَّاهُ, لَم يَخْشَ أَحَداً إِلاَّ اللَّهُ, لَم يَتَوَكَّل إِلاَّ عَلَى اللَّهِ, لَم يُبقِ لَهُ بَقِيَّةً مِن آثَارِ نَفسِهِ وَهَوَاهُ.
Qهذا كلامٌ فيه حقٌّ؛ وهو أنَّ مَن صَدَقَ في توحيدِه خَلا قلبُه من العبودِيَّة لغير الله، لكن لا نقول: إنَّه يخلو قلبُه من غير الله مطلقاً، فالقلبُ فيه تَعَلُّقَاتٌ طبيعِيَّةٌ، ومحبةٌ طبيعِيَّةٌ، وخوفٌ طبيعيٌّ، وهكذا، فالإنسان لا يخرج من طبيعته الإنسانية، لكن من شهد أن «لا إله إلا الله» صِدْقَاً من قلبه، أو مُستَيقِنَاً بها، فإنَّ قلبَه حينئذٍ يخلو من العبودية لغير الله.
فليس صحيحاً أنَّ القلبَ يخلو من غير الله مطلقاً، بمعنى أنَّه لا يكون فيه تَعَلُّقٌ أو التِفَاتَةٌ أو محَبَّةٌ أو خوفٌ، فهذا أمرٌ لا يمكن أن يَتَجَرَّدَ منه الإنسانُ؛ فالرُّسُلُ وأتباعُهم كانت تَعرِض لهم العوارضُ الطبيعيَّةُ، وهم أكملُ الخلقِ حُبَّاً لله، وتعظيماً لله، وعبوديةً لله.