قال رحمه الله: [وهم تعلموا العلم من الصحابة، فلم تنفعهم لا إله إلا الله، ولا كثرة العبادة، ولا ادعاء الإسلام، لما ظهر منهم مخالفة الشريعة] وهذا من أوضح الأدلة وأبينها على أن قول: لا إله إلا الله يعصم ابتداءً، فإذا تبين ما يناقض هذا القول ويبطل أثره فإنه يعمل بمقتضى هذه المناقضة من إباحة الدم والمال.
أما بالنسبة للخوارج -أيها الإخوة- فيظهر من كلام الشيخ هنا تكفيرهم، وإن كان ليس هذا تصريحاً، فإنه قال: (لم تنفعهم لا إله إلا الله، ولا كثرة العبادة، ولا ادعاء الإسلام، لما ظهر منهم مخالفة الشريعة) ويمكن أن يقال: إنها لم تنفعهم في عصمة دمهم، ولا يلزم من هذا تكفيرهم، إذ أنه قد يباح الدم فيما دون الكفر.
ومسألة تكفير الخوارج للعلماء فيها قولان في مذهب أحمد ومالك والشافعي، ففي قول لهم: أنهم كفار؛ لتكفيرهم الصحابة، ولخروجهم على الجماعة، وللأقوال المبتدعة المنكرة التي قالوها.
والقول الآخر: أنهم لا يكفرون، بل هم ممن أباح النبي صلى الله عليه وسلم دماءهم إذا اجتمعوا على بدعتهم، وخرجوا على المسلمين، وهم من المعتدين الظالمين الذين يقاتلون قتال أهل البغي والظلم والاعتداء.
قال شيخ الإسلام رحمه الله: وهذا الذي كان عليه الصحابة، فلم يُنقل عن أحد منهم أنه كفّرهم، لا علي ولا غيره، بل لما سُئل علي بن أبي طالب رضي الله عنه عن الخوارج: هل هم كفار؟ قال: من الكفر فروا.
والظاهر أن ما ذهب إليه القائلون بعدم تكفيرهم أقرب للصواب؛ إذ هذا القول هو الذي مضى عليه الصحابة رضي الله عنهم، وهم أعلم بكلام النبي صلى الله عليه وسلم ومقاصده.
ثم قال رحمه الله: [وكذلك ما ذكرناه من قتال اليهود، وقتال الصحابة بني حنيفة.
وكذلك أراد صلى الله عليه وسلم أن يغزو بني المصطلق لما أخبره رجل أنهم منعوا الزكاة، حتى أنزل الله: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا} [الحجرات:6] ، وكان الرجل كاذباً عليهم، فكل هذا يدل على أن مراد النبي صلى الله عليه وسلم في الأحاديث التي احتجوا بها ما ذكرناه] .
وهذه أيضاً شواهد لما تقدم ذكره من أن قول: لا إله إلا الله يفيد عصمة الدم والمال ابتداءً ما لم يبدِ ما يناقض هذه الكلمة، فإن الصحابة رضي الله عنهم قتلوا بني حنيفة، وأراد صلى الله عليه وسلم أن يغزو بني المصطلق مع أنهم يقولون: لا إله إلا الله، وأيضاً قاتل صلى الله عليه وسلم اليهود مع أنهم يقولون: لا إله إلا الله، إلا أنهم لم يقروا بالرسالة، فلا إله إلا الله لا تنفع صاحبها إلا إذا أقر بكل ما يقتضيه هذا الدين، وما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، فمن جحد شيئاً من ذلك فإنه لا ينتفع بها.