ثم قال رحمه الله: [مثال ذلك: إذا قال لك بعض المشركين: {أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [يونس:62] وأن الشفاعة حق، وأن الأنبياء لهم جاه عند الله، أو ذكر كلاماً للنبي صلى الله عليه وسلم يستدل به على شيء من باطله، وأنت لا تفهم معنى الكلام الذي ذكره؛ فجاوبه بقولك: إن الله ذكر أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه، وما ذكرته لك من أن الله ذكر أن المشركين يُقرون بالربوبية وأن كفرهم بتعلقهم بالملائكة والأنبياء والأولياء مع قولهم: {هَؤُلاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ} [يونس:18] هذا أمر محكم بين لا يقدر أحد أن يغير معناه، وما ذكرت لي -أيها المشرك- من القرآن أو كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا أعرف معناه] يعني: لا أعرف أن معناه هو الذي ذكرت وإلا فمعنى قوله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) بيّن يعرفه الموحد، ولكن لا يعرف الموحد من هذه الآية أنه يجوز الاستشفاع بهم، ويجوز سؤالهم من دون الله سبحانه وتعالى، وصرف العبادات إليهم دون الله سبحانه وتعالى.
ثم قال رحمه الله: [ولكن أقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله عز وجل.
وهذا جواب جيد سديد، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله تعالى، فلا تستهن به فإنه كما قال تعالى: {وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ} [فصلت:35]] .
إذاً: أجاب الشيخ رحمه الله على مجموع هذه الشبه التي أوردها المشرك بجواب مجمل، وهو التمسك بالمحكم من الآيات، ورد كل ما خالف ذلك المحكم.
وهذا هو سبيل العلماء الراسخين والمقتفين لآثار النبيين والصالحين من الصحابة ومن بعدهم؛ أنهم يتمسكون بالمحكم ويردون المتشابه إليه، فإذا قال القائل من هؤلاء المشركين: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) هذا يدل على أنه يجوز الاستشفاع بهم، قلنا له: ما وجه دلالة هذه الآية على ما تذكر، مع أن الله سبحانه وتعالى قد أنكر على المشركين طلب الشفاعة ممن طلبوا منهم من الصالحين والمعبودين من الملائكة والأنبياء وغيرهم؟! فهذا جواب مجمل ترد به على هؤلاء.
ومن هذا نفهم أن الآيات المتشابهة ليست آيات محددة العدد، بل هي مختلفة، فقد يشتبه على شخص ما لا يشتبه على آخر فالتشابه في الآيات أمر نسبي وليس أمراً محدداً، فهذا المشرك اشتبه عليه الأمر، وظن أن قوله تعالى: (أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ) يدل على ما ذهب إليه من الشرك.
وذكر الشيخ رحمه الله أن هذا الجواب سديد، ولكن لا يفهمه إلا من وفقه الله.
ثم قال رحمه الله: [فلا تستهن به فإنه كما قال تعالى: (وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ) ] .
وبهذا تعلم أن جميع ما يورده المشركون من الشبه والحجج هي شبه وحجج داحضة يعني: باطلة؛ لأن الرسل دعت إلى التوحيد، ودعت إلى إفراد الله سبحانه وتعالى بالعبادة، فأي عبادة صرفها لغير الله شرك، فلو جاء بأدلة الدنيا كلها بجواز صرف نوع من أنواع العبادة لغير الله رددنا هذه الأدلة، وأخذنا بالأدلة الظاهرة في أن الرسل جاءت بالدعوة إلى التوحيد، وعدم جواز صرف أي نوع من أنواع العبادة لغير الله تعالى.