ثم قال رحمه الله: (ولكن إذا أقبلت على الله، وأصغيت إلى حججه وبيناته، فلا تخف ولا تحزن {إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً} [النساء:76] ) وهذه من منة الله علينا أن الله سبحانه وتعالى وعدنا بأن الذي يُقبل عليه ويُقبل على حججه سيهديه إلى السبيل والصراط المستقيم؛ ولذلك قال الله سبحانه وتعالى: {وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَاَ} [العنكبوت:69] .
فالواجب على العبد أن يقدم العربون، وأن يُقبل على الله سبحانه وتعالى مجاهداً في طلب العلم النافع، مجاهداً في تحقيق الإخلاص والعبودية لله سبحانه وتعالى، وليعلم أنه سيحصّل الخير، وسيكفيه الله سبحانه وتعالى هذا الكيد الكبير؛ لأنه مع التوحيد والإخلاص والعمل يغدو كيد الشيطان ضعيفاً كما أخبر الله سبحانه وتعالى عنه: (إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفاً) .
ثم قال رحمه الله: [والعامِّيُّ من الموحدين يغلب ألفاً من علماء هؤلاء المشركين كما قال تعالى: {وَإِنَّ جُنْدَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:173]] وكل من تمسك بكتاب الله وسُنّة رسوله ودعا إلى الله وإلى ما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم فهو من جند الله، وكل من أعرض عن كتاب الله وسُنّة رسوله وأقبل على الشهوات والشبهات فإنه من جند الشيطان، فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان كما أنهم هم الغالبون بالسيف والسِّنان.
ثم قال رحمه الله: [فجند الله هم الغالبون بالحجة واللسان كما أنهم الغالبون بالسيف والسِّنان، وإنما الخوف على الموحد الذي يسلك الطريق وليس معه سلاح، وقد مَنَّ الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله {تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} [النحل:89]] فكل هدى في كتابه سبحانه وتعالى، وكل ما يقربك إلى الله ويدلك على طريقه ويبعدك عن الشيطان ويحذرك من سبله وأساليبه؛ موجود في كتاب الله وفي سُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ثم يقول رحمه الله: [فلا يأتي صاحب باطل بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها كما قال تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33]] وهذا من بديع إعجاز القرآن الكريم، أنه لا يستدل به صاحب باطل على باطله إلا وفي كتاب الله بل في ذلك الدليل الذي استدل به -إن كان دليلاً ثابتاً سواء كان من السنة أو كان من القرآن- ما يُبطل حجته، ويرد شبهته كما قال تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33] وانظر كيف سمّى الله عز وجل ما يأتي به المبطلون (مثلاً) ، وكيف سمّى ما في كتاب الله سبحانه وتعالى من الحجج (حقاً) ، وهذا لا شك فيه، فإن ما يأتي به المبطلون هو شُبه تُدحض بالحق الذي في كتاب الله وسُنّة رسوله صلى الله عليه وسلم، قال تعالى: {وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} [الفرقان:33] .
ثم قال رحمه الله: [قال بعض المفسرين: هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة] .