ثم قال: (وأفادك أيضاً الخوف العظيم، فإنك إذا عرفت أن الإنسان يكفر بكلمة يخرجها من لسانه، وقد يقولها وهو جاهل فلا يعذر بالجهل، وقد يقولها وهو يظن أنها تقربه إلى الله تعالى كما كان يفعل الكفار، خصوصاً إن ألهمك -يعني: يحدث عندك الخوف إن ألهمك- الله ما قص عن قوم موسى مع صلاحهم وعلمهم أنهم أتوه قائلين: {اجْعَلْ لَنَا إِلَهاً كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ} [الأعراف:138] ؛ فحينئذ يعظم حرصك وخوفك على ما يخلصك من هذا وأمثاله) .
الخوف من الشرك منهج نبوي قديم، فهذا إبراهيم عليه السلام الذي شهد الله له بالإمامة في التوحيد {إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً قَانِتاً لِلَّهِ حَنِيفاً وَلَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} [النحل:120] يقول: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:35] يسأل الله سبحانه وتعالى أن يجنبه الأصنام، مع أنه معصوم من الوقوع في الشرك وعبادة الأصنام، إلا أنه قال ذلك لبيان خطورة الشرك، وأنه مما ينبغي أن يحذره حتى الأنبياء، فإنه قال: {وَاجْنُبْنِي وَبَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنَامَ} [إبراهيم:35] ، وقد قال الله سبحانه وتعالى لنبيه في بيان عظم الشرك: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ} [الزمر:65] مع أنه منزه من الوقوع في الشرك، بل ومعصوم عن الوقوع في الكبائر التي هي أقل من الشرك، وما ذلك إلا لبيان خطورته وعظم أمره، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطباً خير القرون أصحابه رضوان الله عليهم: (أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟! قال: الرياء) ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم في بيان تحذيره من الشرك: (الشرك في أمتي أخفى من دبيب النملة السوداء في الليلة الظلماء على الصفاة السوداء) ، وما هذا إلا للتحذير من الشرك، فأفزع ذلك الصحابة رضي الله عنهم حتى قالوا: يا رسول الله! فما النجاء منه؟ كما في حديث أبي بكر، فقال صلى الله عليه وسلم: (أن تقول: اللهم إني أعوذ بك أن أشرك بك وأنا أعلم، وأستغفرك لما لا أعلم) .
فهذا الأمر الذي خافه النبي صلى الله عليه وسلم على أصحابه الذين جاهدوا، وقدموا أنفسهم في سبيل تقرير التوحيد، ينبغي أن نخافه نحن على أنفسنا، وألا يأمن الإنسان على نفسه من الشرك؛ فإن الشرك كما وصفه النبي صلى الله عليه وسلم يدب إلى قلبك من حيث لا تعلم (كدبيب النملة السوداء على الصفاة السوداء في الليلة الظلماء) فأنى تراه؟!