إن أسباب الإدراج كثيرة منها: تطوع الراوي بتفسير لغة الحديث، بأن تأتي كلمات من النبي صلى الله عليه وسلم لا تفهم، فلدخول العجمة في الناس يريد الراوي أن يبين للناس معنى هذه الكلمة، فيفسر الكلمة في الحديث ولا يفصل بينها وبين قول النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنهما: ذهول الراوي، فينظر الشيخ في شيء -مثلاً- يعجبه فيتكلم به، فالسامع يظن أن هذا من حديث النبي صلى الله عليه وسلم.
ومنها: أن يتبين الراوي حكماً معيناً فيتكلم بهذا الحكم وهو يروي الحديث دون أن يفصل بين كلامه وبين كلام النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا يستوجب الضعف؛ لأنه نسب للنبي كلاماً ليس من كلامه.
فإن قيل: هل يحكم على كل الحديث بالضعف؟ ف
صلى الله عليه وسلم إنما يحكم بالضعف على جزئية الإدراج، لا سيما أنه قد جاءت روايات أخرى تبين صحة الحديث دون هذه اللفظة.
مثال ذلك: حديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها في بدء الوحي قالت: (وكان النبي يتحنث الليالي في غار حراء، قالت: ويتحنث يتعبد)، هذه الرواية جاءت من طريق الزهري بهذا النص، ثم في الروايات الأخريات التي جمعها العلماء وجدوا أن الرواية من غير طريق الزهري فيها قول عائشة وكان يتحنث دون أن تقول: والتحنث هو التعبد، فعلمنا أن هذه الزيادة من الزهري زادها تفسيراً لمن يسمع منه الحديث، فإنهم قالوا له: ما التحنث؟ فقال: والتحنث التعبد، فالسامع كتب الحديث عن الزهري على أن كل هذا من كلام النبي صلى الله عليه وسلم، فالعلماء لما جمعوا الطرق وجدوا أن الثقات الأثبات رووا هذا الحديث من غير كلمة التحنث، فعلموا أن تفسير التحنث هذا مدرج من كلام الزهري.
وحديث عائشة هذا الذي تتحدث فيه عن النبي صلى الله عليه وسلم هو مرفوع حكماً، وليس مرفوعاً تصريحاً؛ لأن التصريح فيما إذا قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو فعل رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو أقر رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأما الحكمي فمثل أن تذكر كلاماً ليس محلاً للاجتهاد، ولا يمكن أن يقال إلا عن طريق الوحي، كقول ابن مسعود: (ما بين السماء والأرض مسيرة خمسمائة عام، وبين كل سماء وسماء مسيرة خمسمائة عام، وبين السماء السابعة وبين العرش مسيرة خمسمائة عام، وهذا الكلام من ابن مسعود له حكم المرفوع.
وحديث عائشة وإن كان مرسلاً لكن القاعدة عند العلماء: أن مرسل الصحابي صحيح؛ لأن الله أنزل عدالتهم من فوق سبع سماوات، وإن كان بعض المحدثين قد خالف في ذلك وقال: مرسل الصحابي كغيره، ونقول له: لا؛ لأن الأصل أن الصحابي إذا أخذ فإنه يأخذ من صحابي ولا يأخذ من تابعي، فالأصل أنه يأخذ بعلو ولا يأخذ بنزول، وإذا قلت لنا بأن ابن عباس أو غير ابن عباس قد أخذ بنزول، فنقول: إن هذا نادر، والنادر لا حكم له، فالصحيح أن مرسل الصحابي صحيح.
وعلى هذا فحديث عائشة رضي الله عنها وأرضاها وإن كان مرسلاً فهو صحيح.