حكم الاغتسال من الجماع دون إنزال

المثال الثاني: مسألة الاغتسال من الجماع دون إنزال، يعني: رجل جامع امرأته فأكسل ولم ينزل، فهل يغتسل، أو يغسل ذكره ويتوضأ وضوءه للصلاة؟ فهذه المسألة اختلف فيها الصحابة، فهذا زيد بن ثابت جاءه رجل يستفتيه فقال: جامعت امرأتي فلم أنزل؟ قال: ما عليك إلا أن تغسل ذكرك مما أصابك منها وتتوضأ، وروى حديث: (إنما الماء من الماء) فسمع بعض الصحابة هذا الكلام فذهب إلى عمر فقال: إن زيد بن ثابت يفتي بكذا وكذا، فقال عمر: ائتني به، فعقد المجلس وجاء بأهل بدر فقال لهم: أرأيتم ماذا يقول زيد، فاختلف الصحابة البدريون في ذلك، فمنهم من قال قوله، ومنهم من قال: بل عليه الغسل، فقام عمر بن الخطاب وأرسل إلى حفصة، فقالت حفصة: لا علم لي بذلك، فبعث إلى عائشة وبعث إلى غيرها فقالت عائشة رضي الله عنها وأرضاها: على الخبير سقطت، إذا جاوز الختانُ الختانَ فقد وجب الغسل.

وحديث (إنما الماء من الماء) رواه زيد وأبو أيوب الأنصاري وعثمان بن عفان رضي الله عنهم وأرضاهم، فقال عمر: والذي نفسي بيده لو أفتى أحدكم بغير قول عائشة لأنكلن به نكالاً.

نقول: فلو نظرنا إلى أسانيد حديث عائشة وحديث زيد فكلها أسانيد كالشمس، فينبغي أن نجمع بينهما إن أمكن الجمع، لكن قال بعضهم: إن حديث: (إنما الماء من الماء) منسوخ، والصحيح الراجح في ذلك أنه ليس بمنسوخ لكنه مقيد؛ لأن قوله: (إنما الماء من الماء) عام؛ لأن الماء هنا معرف بالألف واللام، فالألف واللام هنا الاستغراقية وهي تدل على العموم، فحديث: (إنما الماء من الماء) مقيد بمسألة الاحتلام أو بمسألة التفكير، فلو أن رجلاً نام نوماً طويلاً عميقاً ورأى في نومه أنه يجامع امرأة ولكنه لم ينزل، فهذا لا يجب عليك الغسل؛ لأن الماء من الماء.

مثال آخر: لو أن رجلاً كان يتفكر في امرأة ولم ينزل، فهذا أيضاً ليس عليه غسل حتى لو أنزل المذي، وإنما عليه الوضوء.

إذاًً: الراجح والصحيح الجمع بينهما، فإذا جاوز الختان الختان فعليه الغسل إن كان في الجماع، ولذلك روى أبو هريرة حديثاً عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إذا جلس بين شعبها الأربع وجهدها فعليه الغسل) (جهدها) يعني: جاوز الختان الختان.

وكذلك عائشة رضي الله عنها بعد أن روت لهم الحديث أتت لهم بدليل عقلي في هذا فقالت: لقد وجب الحد بالختان ألا يجب الغسل؟ يعني: إذا جاوز الختان الختان فقد وجب حد الزنا، فإذا وجب الحد وجب الغسل.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015