لقد أصل الصحابة هذا الأصل بأمثلة كثيرة منها مثلاً حديث عائشة رضي الله عنه وأرضاها عندما قيل لها بعدما مات عمر والحديث في الصحيح: إن عمر بن الخطاب دخل عليه صهيب بعد ما طعنه أبو لؤلؤة فبكى، فقال عمر: أوتبكي وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول (إن الميت ليعذب ببكاء أهله عليه)، فلما مات عمر ودفن ذكر ذلك للفقيهة عائشة رضي الله عنه وأرضاها فوهمت عمر رضي الله عنه وأرضاه، وردت عليه الحديث وقالت: يرحم الله عمر! والله إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يقل ذلك وقد قال الله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164].
فانظر كيف محصت حديث النبي صلى الله عليه وسلم عن غيره، فقد نظرت في الكلام فوجدت أن الحديث المنقول عن النبي صلى الله عليه وسلم بأن الميت يعذب ببكاء أهله عليه، ليس للميت ذنب في ذلك، من أجل أن يعذب، وإنما هذا فعله أهل الميت، فالفعل فعل أهل الميت وليس فعله، والله جل وعلا يقول في كتابه: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164].
ومعنى الآية: أنه لا يعذب أحد بفعل غيره، ويلزم من كلام عمر أن الميت سيعذب بفعل غيره فـ عائشة رضي الله عنها وأرضاها لم تنظر في الإسناد في عصرها؛ لأن الصحابة كلهم عدول، وقد ذكر الله عدالتهم من فوق سبع سموات، فيبقى النظر إلى المتن، فلما نظرت إلى المتن عرضته على كتاب الله فوجدت المعارضة، فقالت: كيف يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك وقد قال الله تعالى: {وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} [الأنعام:164]؟! فالمقصود أن عائشة عرضت هذا الحديث على كتاب الله.
فإن خالف الحديث كتاب الله من كل وجه فلا بد أن نقول: إن هذا الحديث لم يقله النبي صلى الله عليه وسلم جزماً؛ لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله جل في علاه.