وأما كونُها صفةً للنكرةِ؛ فلأنه يصلحُ أنْ تكونَ مُبينةً مع ضربٍ من الإبهامِ على جهة التفخيم للشأن في مثل قولك: مررتُ بكريمٍ أيِّ كريمٍ, وبلئيمٍ أيِّ لئيمٍ, فقد عظمتَ الشأنَ في الأمرينِ. وعلى ذلك تجري في الحال.

فالأصلُ في الموضوع أنْ تكون أسماً كسائر الأسماءِ في التعريِّ من معنى الحرفِ, والأصلُ في الاستعمالِ إجراؤها في الاستفهام على ما بينا.

وتقولُ: أيُّ أفضلُ؟ , فَتدلُ على الإضافةِ دلالةَ التصريحِ بذكر المضاف إليه, ومع ذلك فالمضاف إليه أعمُّ, كأنكَ قُلتَ: أيُّ الأشياء/ 77 ب أفضلُ؟ , إذا أطلقتَ اللفظ على هذه الجهة.

ولو قُلتَ: من أفضلُ؟ / لم تكنْ قد دللتَ على إضافةٍ كدلالتك في: أيِّ, لا دلالة تصريحٍ, ولا تضمينٍ؛ إذ كانتْ (مَنْ) لا تُضافُ, فأيُّ تُحضرُ [في] النفسِ معنى المضاف إليه باقتضائها له, واختصاصها به, وليس كذلك: مَنْ.

وفي التنزيل: {قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَنَ أَيًّا مَّا تَدْعُوا فَلَهُ الأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} [الإسراء: 110] , فأيُّ -هنا- جزاءٌ, ودليلُه سقوطُ النونِ منْ: تدعونَ؛ لأنه لو كان استفهاماً؛ لكانَ: أياً ما تدعونَ, مع أن المعنى على الجزاء, وهو: إن دعوتموه بقولكم: اللهُ؛ فهو من أسمائه الحُسنى, وإن دعوتموه بقولكم: الرحمنُ, فهو -أيضاً- من أسمائه الحُسنى, وفي هذا دليلٌ على جهلِ منْ تأثَّم في دُعائه بـ: يا رحمانُ؛ لأنه تشبهٌ باليهود, فقد بيَّنَ اللهُ -جلَّ وعزَّ- لنا بأنَّ ذلك حسنٌ جائزٌ. من غير أنْ نقصدَ به تشبهاً باليهود.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015