وبلغنا أن أهل المدينة يرفعون هذه الآية: وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ [الشورى: 51]. فكأنه قال- والله أعلم-: الله لا يكلم البشر إلا وحيا أو يرسل رسولا، أي في هذه الحال، وهذا كلامه إياهم، كما تقول العرب: تحيتك الضرب، وعتابك السيف، وكلامك القتل؛ وقال عمرو بن معدي كرب:
وخيل قد دلفت لها بخيل … تحية بينهم ضرب وجميع (?)
وسألت الخليل عن قول الأعشى:
إن تركبوا فركوب الخيل عادتنا … أو تنزلون فإنّا معشر نزل (?)
فقال: الكلام هاهنا على قولك: أيكون كذا، أو يكون كذا، لما كان موضعها لو قال فيه: أتركبون لم ينقض المعنى، صار بمنزلة قولك:
ولا سابق شيئا (?)
وأما يونس فقال: أرفعه على الابتداء، كأنه قال: وأنتم نازلون، على هذا الوجه فسّر الرفع في الآية، كأنه قال: أو هو يرسل رسولا، كما قال طرفة بن العبد:
أو أنا مفتدى (?)
وقول يونس أسهل، وأما ما قاله الخليل فجعله بمنزلة قول زهير:
بدا ليّ أني لست مدرك ما مضى … ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (?)
والاشتراك على هذا التوهم بعيد كبعد (ولا سابق شيئا). ألا ترى أنه لو كان هذا كهذا لكان في (الواو) و (الفاء)؛ وإنما توهم هذا فيما خالف معناه التمثيل.
قال أبو سعيد: أصل (أو) العطف حيث كانت، والمنصوب بعدها على وجهين:
أحدهما: أن يتقدم فعل منصوب بناصب من الحروف، ثم يعطف عليه ب (أو) كما يعطف بسائر حروف العطف، كقولك: أريد أن تخرج إلى الكوفة أو تلازم زيدا، أو مدحت الأمير كي يهب لي دنانير أو يحملني على دابة؛ ومعناها أحد الأمرين؛ وفي هذا