تشبيه الوحي بصلصلة الجرس، والوحي محمود، والجرس مذموم، هل يعني هذا أن الوحي مشبه للجرس من كل وجه؟ لا، فالجرس له أكثر من وجه، يمكن أن يشبه ببعضها دون بعض، فلا إشكال في الحديث؛ لأن اللعن أشبه القتل من وجهٍ دون وجه، من وجه الاشتراك في التحريم، كما أن الوحي أشبه صلصلة الجرس من وجهٍ دون وجه، فالجرس فيه قوة وتدارك في الصوت، وفيه أيضاً يعني جهة طنين، وجهة إطراب، فهو مشبهٌ بالجرس من جهة القوة والتدارك في الصوت، بينما جهة الإطراب التي وقع الذم من أجلها يفترقان.
ولذا آلات التنبيه التي ليس فيها إطراب لا تدخل في الجرس المنهي عنه، وإن سماه الناس جرس، يعني لو يضع الإنسان على بابه زر كهربائي ينبه من في الداخل إلى أنه يوجد عند الباب طارق، إن أطرب هذا المنبه دخل في الجرس المذموم، إن كان مجرد صوت لا يطرب السامع فإنه لا يدخل في المذموم، وقل مثل هذا في الآلات كلها، والناس مع الأسف الشديد يعانون مما يسمعون من الأجراس المطربة في مواطن العبادة، بل في أثناء العبادة بسبب الجوالات، فعلى المسلم أن يتقي الله -عز وجل-، والملائكة لا تصحب رفقةً فيها جرس، هذا جرس يا أخي، جرس مطرب وموسيقى، وجاء الوعيد الشديد فيمن يتخذ المعازف، وهذا نوعٌ منها، نسأل الله العافية، ويتضاعف التحريم بفضلِ المكان والزمان، مع الأسف نجد هذه الأجراس المطربة ترن في المساجد، بل في أشرف البقاع في المطاف، والله المستعان.
فتشبيه اللعن بالقتل لا يعني أنه مشبهٌ له من كل وجه، وهناك أمثلة كثيرة لهذا الضرب، تشبيه رؤية الباري -جل وعلا- برؤية القمر تشبيه للرؤية بالرؤية، وليس بتشبيه للمرئي بالمرئي، تشبيه النزول على اليدين في الصلاة ببروك البعير لا يقتضي أن من قدم يديه ووضع يديه على الأرض برفق أن يكون مشبهاً للبعير حتى ينزل على الأرض بقوة، ويثير الغبار، ويفرق الحصا، حينئذٍ يكون مشبهاً لبروك البعير، أما إذا وضع يديه على الأرض مجرد وضع لم يشبه البعير، على كل حال هذا لو ذهبنا نستطرد بذكر الأمثلة يمكن يستغرق الوقت كله.