ثم بعد هذا يقول: "حدثنا موسى بن إسماعيل -هو المنقري- قال: حدثنا أبو عوانة -الوضاح بن عبد الله اليشكري- عن مغيرة -بن مقسم- عن أبي وائل -شقيق بن سلمة التابعي الشهير- قال: قال عبد الله -وهو ابن مسعود- قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: ((أنا فرطكم على الحوض)) " يعني: متقدمٌ بين أيديكم، أمامكم، فالفرط: هو المتقدم الذي يسبق القوم، ولذا جاء في دعاء الجنازة للطفل: ((اللهم اجعله فرطاً وذخراً)) أي: متقدماً، يعني: أجراً متقدماً بين يدي والديه، ((أنا فرطكم على الحوض ليرفعن إلي رجال منكم)) يعني من هذه الأمة، من أمة الإجابة، ((حتى إذا أهويت لأناولهم -يعني لأسقيهم من حوضي- اختلجوا -جذبوا واقتطعوا- دوني، فأقول: أي ربِ أصحابي)) لأنه يعرفهم إما بأعيانهم أو بأوصافهم، ولا يمنع أن يكون من هؤلاء من هو مسلم يختلج ويقتطع لما أحدث في الدين ويدخل النار ثم بعد ذلك إذا هذب ونقي بقدر ما اقترفه من جرائم يدخل الجنة، ((فأقول: أي رب أصحابي، يقول: لا تدري ما أحدثوا بعدك)) من ردة أو بدعة أو منكرات وجرائم كلها محدثات.
ثم قال: "حدثنا يحيى بن بكير -المخزومي- قال: حدثنا يعقوب بن عبد الرحمن -القاري- عن أبي حازم -سلمة بن دينار- عن سهل بن سعد -الساعدي- يقول: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: ((أنا فرطكم على الحوض، من ورده شرب منه، ومن شرب منه لم يظمأ بعده أبداً)) " لم يظمأ بعد أن يشرب من الحوض فإنه لا يظمأ أبداً، يتجاوز هذه الأهوال من غير مشقة ولا ظمأ ((ليرد)) في رواية أبي ذر: ((ليردن))، ((علي أقوام أعرفهم ويعرفوني، ثم يحال بيني وبينهم))، قال أبو حازم: فسمعني النعمان بن أبي عياش وأنا أحدثهم هذا الحديث فقال: هكذا سمعت سهلاً؟ فقلت: نعم" يتأكد، "هكذا سمعت سهلاً؟ " أبو حازم سلمة بن دينار لما حدث بهذا الحديث سُئل للتثبت وللموافقة: "هكذا سمعت سهلاً؟ فقلت: نعم، فقال: وأنا أشهد على أبي سعيد الخدري لسمعته يزيد فيه قال: ((إنهم مني، فيقال: إنك لا تدري ما بدلوا بعدك، فأقول: سحقاً سحقاً)) أي: بعداً بعداً، أي: أبعدهم الله.