وهذه المسألة عند أهل العلم -وإن كانت الأدلة تدل على أن من ارتكب شيئاً لا يجوز له أن ينهى عنه، ومن ترك شيئاً لا يجوز له أن يأمر به- لكن أهل العلم يقررون أن الجهة منفكة، يعني تدل النصوص أن الإنسان لا يأمر بما يترك ولا ينهى عما يفعل، {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [(44) سورة البقرة]، توبيخ، لكن هل معنى هذا هو .. ، هل هو نهي عن مخالفة الأمر أو هو نهي عن الأمر بالمخالفة؟ أيش معنى هذا الكلام؟ هل هذه الآية تدل على أنك امتثل أنت قبل أن تأمر، أو لا تأمر حتى تمتثل؟

{أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [(44) سورة البقرة]؛ لأن عندنا مخالفة، شخص يشرب الدخان، هل نقول لهذا الشخص: لا يجوز لك أن تنهى الناس عن الدخان، أو نقول: لك أجر الأمر بالمعروف وعليك إثم الفعل؟ والله -جل وعلا- يقول: {أَتَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبِرِّ وَتَنسَوْنَ أَنفُسَكُمْ} [(44) سورة البقرة]، وأنتم أولى بالامتثال، انتهوا، لكن الأمر بالبر له أبواب، والنهي عن المنكر له نصوص، فالجهة منفكة، فأنت تأمر بالأمر وتحرص على أن تمتثل، فإذا أمرت، نعم، لك أجر الأمر، نهيت لك أجر النهي، لكن يبقى أن عليك إثم ارتكاب المحظور أو ترك المأمور، ما لم يكن الظاهر من فعلك أنه استخفاف، حينئذ نقول: لا يجوز لك أن تأمر؛ لأن هذا الأمر استخفاف فهو منكر.

يعني تصور اثنين جالسين على كرسي حلاق اثنين، نعم، وحلاقين واثنين جالسين على الكرسي والحلاق شغال بلحاهم، يلتفت واحد على الثاني لا تحلق لحيتك، هذا يدل على أيش؟ نعم، هذا يدل على استخفاف، فنهيه مثل هذا النهي واضح أنه استخفاف، يعني لا نبالغ في انفكاك الجهة، نعم شخص ابتلي بالدخان وجاهد وحاول يقول: عجزت، ينهى عن الدخان، وإلا فالأصل أن أول من ينتهي عن المنكر من ينهى عنه، ولا نبالغ في انفكاك الجهة حتى قال بعضهم: إن على الزاني .. ، يجب عليه أن يغض بصره عن المزني بها، الجهة منفكة، هذا له نصوص، وهذا له نصوص!!

لا لا؛ هذا ما حرم إلا من أجل هذا، أنت إذا لم تكن وصلت الغاية الباقي يهون، ما حرم النظر إلا من أجل الوقوع فيما هو أعظم منه.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015