جالس في حلقة فقال أحدهما: ألا رجل ينظر بيننا؟: خصومة بين هذين الاثنين، ألا رجل ينظر بيننا؟ فقال رجل في الحلقة: أنا: تسرع تعجل، والنوايا والمقاصد بيد الله، عند الله -جل وعلا- لا يطلع عليها أحد؛ لأن فض المنازعات والإصلاح بين الناس من أفضل الأعمال، فيظن به أنه أراد أن يبادر لهذا العمل الفاضل، ويظن به أيضاً -احتمال آخر- أنه تعجل ليرى مكانه، القلوب بيد الله -جل وعلا- ما يجزم عليه بشيء، لكن على كل حال العجلة مذمومة.
فقال أحدهما: ألا رجل ينظر بيننا، فقال رجل في الحلقة: أنا، قال: فأخذ أبو مسعود كفاً من حصى: هذا فقه الصحابة علم الصحابة، أناة الصحابة، فأخذ أبو مسعود كفاً من حصى فرماه به وقال له: إنه كان يكره التسرع إلى الحكم": في عافية، الناس يتدافعون الفتيا التي ليس فيها إلزام، فضلاً عن القضاء، وهذا نوع من القضاء، هذا نوع من القضاء، وموقف السلف من القضاء معروف، يضربون عليه، يجلدون عليه، ولا يقبلونه؛ لأنه مزلة قدم، ((قاضيان في النار وقاض في الجنة))، فالسلف ينفرون منه، ويأبونه أشد الإباء، لكنه أمر لا بد منه، يجب على ولي الأمر أن يعين القضاة، يجب عليه أن يتولى القضاء بنفسه إن استطاع، فإن لم يستطع فيولي من يكفيه المؤونة.
من أوجب الواجبات على ولي الأمر، لكن أيضاً بالمقابل .. ؛ لأن كثير من المسائل ينظر إليها من جهتين، من جهة العامة ومن جهة الخاصة، عندنا النصح لكل مسلم، والدين النصيحة، لو جاء شخص يستشير وقال: أنا رشحت للقضاء أيش رأيك أوافق أو لا أوافق؟ يعني هل كل شخص يبي يقال له: إن السلف ينفرون من القضاء؟ أو ينظر في المصالح العامة والخاصة في مثل هذا الأمر؟ فإذا اقتضت المصلحة العامة أنه يتولى القضاء ينصح بالقضاء، بغض النظر عن مصلحته الخاصة؛ لأن أمر العامة أهم، لكن إذا كانت المسألة غير متعينة عليه، أو كان مستواه أقل، ينصح أن يترك، يبين له طريقة السلف في القضاء، وهذا بادر -والله أعلم بنيته- لكن في الجملة العجلة والاستعجال لمثل هذا الأمر مكروه عند أهل العلم؛ لأنه من فروض الكفايات، فلعل الإنسان أن يقوم به من يكفي غيره، ويكفيه التبعة.
سم.
أحسن الله إليك.