حرمة أموال المسلمين

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [واعلم رحمك الله أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه، وإن كان مع رجل مال حرام فقد ضمنه، ولا يحل لأحد أن يأخذ منه شيئاً إلا بإذنه؛ فإنه عسى أن يتوب هذا فيريد أن يرده على أربابه، فأخذت حراماً].

قوله: (واعلم) أي: تيقن، (رحمك الله): دعاء بالرحمة، (أنه لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه)، وهذا لفظ حديث يقول منه النبي صلى الله عليه وسلم: (لا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه).

والله تعالى يقول: {وَلا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ} [البقرة:188].

وقال سبحانه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} [النساء:29]، فلا يحل مال امرئ مسلم إلا بطيبة من نفسه.

(وإن كان مع رجل مال حرام فقد ضمنه) أي: لا يحل لأحد أن يأكل منه شيئاً إلا بإذنه.

(فإنه عسى أن يتوب هذا فيريد أن يرد على أربابه فأخذت حراماً)، أي: إذا كان رجل معه مال حرام فهو ضامن، أي: قد ضمنه، كأن يسرق مالاً من شخص، أو يجحد ديناً، فيكون ضامناً، فلا بد أن يؤديه إلى صاحبه، فإذا جئت إلى شخص ووجدت معه مالاً حراماً، فلا يجوز لك أن تأخذ المال؟ وإذا قال رجل: أريد أن آخذه، فلا يجوز؛ فإنه عسى أن يتوب هذا الرجل أي: الذي أخذ المال الحرام، فيريد أن يرد المال على أربابه أي: أصحابه، فتكون أخذت حراماً لا يحل لك؛ لأمرين: الأمر الأول: أن هذا الشخص الذي أخذ المال الحرام ضامن له.

الأمر الثاني: أنه عسى أن يتوب فيرده إلى أصحابه.

قال المؤلف رحمه الله تعالى: [والمكاسب مطلقة، ما بان لك صحته فهو مطلق، إلا ما ظهر فساده، وإن كان فاسداً يأخذ من الفساد ممسكة نفسه، ولا تقول: أتركُ المكاسب وآخذُ ما أعطوني، ولم يفعل هذا الصحابة ولا العلماء إلى زماننا هذا.

وقال عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كسب فيه بعض الدنية خير من الحاجة إلى الناس].

(المكاسب مطلقة) أي: أصلها على الحل، (ما بان لك صحته فهو مطلق)، أي: فلك أن تأخذه، فالأصل في البيع الحل، إلا ما دل الدليل على تحريمه، قال تعالى: {هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الأَرْضِ جَمِيعًا} [البقرة:29] فالمكاسب مطلقة، ما بان لك صحته فهو حلال، إلا ما ظهر فساده كالربا والرشوة والغش والخداع.

(وإن كان فاسداً يأخذ من الفاسد ممسكة نفسه)، أي: إذا لم يجد مالاً حلالاً يأخذ من الحرام، وهو المال الفاسد الضروري، وهو المال الذي يمسك به نفسه ويقيم به أوده، ولا يأخذ زيادة على ذلك.

فلو فرضنا أنه عم الحرام الأرض ولا يوجد مال حلال، فعليه أن يكسب ولكن بقدر ما يأكل ولا يكسب تجارة من المال الفاسد، وهذا معنى قوله: (وإن كان فاسداً يأخذ من الفساد ممسكة نفسه)، يعني: يأخذ من المال الفاسد الضروري ليمسك به نفسه.

(ولا تقول: أترك المكاسب وآخذ ما أعطوني)، لا تقول: إذا عم الأرض الكسب الخبيث، فلا أكسب ولكن أتكفف الناس فإذا أعطوني أخذت، فهذا لا يجوز، فكونك تكسب مالاً ولو كان رديئاً بقدر ما تقيم به نفسك، خير لك من أن تسأل الناس، ولهذا قال المؤلف: (لم يفعل هذا الصحابة، ولا العلماء إلى زماننا هذا)، أي: يتركون الكسب الرديء ويسألون الناس.

(ويقول عمر بن الخطاب رضي الله عنه: كسب فيه بعض الدنية خير من الحاجة إلى الناس)، أي: دنيء في طبعه مثل كسب الحجام وغيره، فكونه يكتسب من الحجامة أحسن من كونه يسأل الناس، ولهذا قال عليه الصلاة والسلام: (لأن يأخذ أحدكم حبله فيحتطب فيبيع فيكف وجهه، خير له من أن يسأل الناس أعطوه أو منعوه)، وهذا الأثر الذي ذكره المؤلف أخرجه ابن أبي الدنيا في إصلاح المال، وكيع بن الجراح.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015